Saturday 12 October 2013

الحرية - التحليل البيئى

فيما سبق تحدثنا عن أهمية الحرية فى المجتمع للوصول إلى الأمن و الاستقرار السياسى و الرخاء الاقتصادى. كما عرضنا أكثر من تعريف للحرية يمكننا من خلالهم قياس مدى الحرية فى المجتمع. كما نذكر أن الهدف هو الوصول إلى استراتيجية تمكننا من الوصول إلى السعى فى طريق الحرية بأقل مقاومة من فئات المجتمع التى ترى أن الحرية ليست الطريق الأمثل أو التى ترى أن الثمن المدفوع فى هذا الطريق أكبر من الفوائد التى ستعود من السعى فيه.

فى هذا المقال سنتطرق إلى تحليل نقاط القوة و نقاط الضعف و الفرص المتاحة و المصاعب (المخاطر) الموجودة (أو ما يسمى بالتحليل البيئى - SWOT).

لتحليل الموقف المصرى، من وجهة نظر التخطيط الاستراتيجى، يجب أن نحاول النظر إلى الموقف بشكل محايد، بقدر الإمكان، حتى يمكننا أن نرى و نستغل كل المقومات الموجودة على الساحة السياسية المصرية. كذلك، فإنه من أهم مقومات النظرة الموضوعية هو إدراك حقيقة أننا، أنا و أنت، نميل إلى النظرة الغير موضوعية بحكم الخبرات و المعتقدات التى تشكل شخصياتنا! لذلك فإن الطريق للنظرة الموضوعية ليس سهلا بالمرة ... و لكن دعنا نحاول!

نقاط القوة

مرت مصر منذ ثورة يناير 2011 بتطورات اجتماعية و اقتصادية و سياسية على مستوى عالى من التأثير. بداية، فإن فكرة الثورة الشعبية التى تتحرك فيها قوى سياسية متعددة، بعضها علنا و البعض الآخر فى الخفاء، و تتحرك فيها فئات شعبية متباينة ثقافيا و اقتصاديا و عقائديا، كانت فكرة شبه مستحيلة و غير متناسقة مع طبيعة المجتمع المصرى الذى يميل بشدة للإستقرار و رفض، إن لم يكن كراهة، التغيير. مع ذلك، فقد اجتمعت تلك القوى من كل حدب و صوب على كلمة واحدة: إرحل! و بغير الدخول فى جدال حول الثورة بحد ذاتها، دعنا نلتفت إلى واحدة من نتائجها، تلك هى أن المصريين أصبحوا أكثر ميلا إلى التمرد على أى واقع يخالف ما يعتقدون أنه من مصالحهم الخاصة أو العامة. هذا الواقع يمكن ادراجه فى نقاط القوة و الضعف معا، أما من جانب القوة فإنه أصبح من السهل تحريك جموع من الناس للتظاهر أو الإضراب أو كتابة المقالات فى الصحف أو على شبكة المعلومات أو حتى رفع الشعارات على السيارات أو على شرفات المنازل.

لإستغلال ذلك الواقع فى توجيه المجتمع إلى طريق الحرية، يجب إستغلال اسلوب الكتابة و الدعوة "الناعمة" لإقناع أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع بفوائد السعى فى طريق الحرية و أن الأضرار، قصيرة المدى، لا تقارن بالفوائد التى سوف تعود، بالتأكيد، فى المستقبل القريب و على الأجيال القادمة. و حتى يصبح هذا الأسلوب فعالا، يجب حشد أعداد كبيرة من المؤمنين بفكرة الحرية للكتابة، بشكل مستمر، و للظهور فى وسائل الإعلام المختلفة على مدى واسع من هذه الوسائل و اللجوء لأساليب خلاقة فى عرض الأفكار من خلال إنتاج محتويات ترفيهية (أفلام و مسلسلات إلخ) و التوسع فى نشر الأغانى و مقاطع الفيديو على شبكة المعلومات مع استغلال مواقع التواصل الاجتماعى لنشر الأفكار و المبادئ التى تدعوا إلى ضرورة سلوك طريق الحرية. كذلك فإن التفاعل مع المجتمع من خلال مواقف الحياة اليومية يجب أن يكون أهم الوسائل التى يستخدمها ألمؤمنون بمبادئ الحرية لنشر أفكارهم و دعوة المحيطين بهم لتبنيها و ذلك فى محيط العائلة و العمل و المحافل الاجتماعية و العلمية و الدينية و السياسية.

كما أنه يمكن استخدام الأسلوب السلبى (التظاهر و الإضراب) للضغط على الحكومة و أصحاب النفوذ لإتاحة قدر أكبر من الحريات، و لكن يجب أن نلجأ لهذا الأسلوب فى أضيق الحدود! ذلك أن الأسلوب السلبى ينتج عنه أمرين غاية فى الخطورة: أولا، تتيح المظاهرات و الإضرابات فرصة كبيرة، لمن يقاومون التغيير، لتشويه صورة الداعيين للحرية أو إلصاق التهم بهم، من إضرار بالمصالح العامة و تعطيل العمل و التعدى على الممتلكات. ثانيا، تفقد المظاهرات و الإضرابات تأثيرها على المجتمع مع الوقت حتى تصبح من طبيعة الحال، كما صار الوضع فى مصر على مدى الشهور الماضية منذ ثورة يناير.

من نقاط القوة التى يجب الإشارة إليها كذلك، هى أن حالة الأستقطاب الشديد الموجودة فى المجتمع خلقت حالة عامة من الغضب على كل القوى السياسية المؤثرة. هذه الحالة تصبح من نقاط الضعف إن بنيت الاستراتيجية المنشودة على أساس الطعن فى الفئات الأخرى! و لكنها بالتأكيد نقطة قوة كبيرة لأصحاب فكرة طريق الحرية. أصحاب فكرة طريق الحرية بشكل عام لا يميلون للاستقطاب و رفض الآخر بل هم من المرحبين بالاختلاف لأنه مؤشر رئيسى من مؤشرات مدى الحرية المتاحة فى المجتمع. من هنا أصبح لزاما أن تبنى خطة الدعوة لطريق الحرية على عدم الطعن فى أى من الأطراف المشاركة فى العملية السياسية بل قد يجب الإشارة إلى التأثير الإيجابى، إن وجد، من هذه الأطراف. كذلك، يجب العمل على أوتار "الامتعاض" السائد من حالة الاستقطاب السائدة و التأكيد مرارا و تكرارا على الهدف ليس رفض الأطراف السياسية و لكن الهدف هو تحقيق "التوافق" و "حالة من التعايش" بين الفئات المجتمعية.

نقاط الضعف

ذكرنا، مع نقاط القوة، أن المجتمع أصبحت فيه نزعة للتمرد على ما يتعارض مع مصالحة الظاهرة، و قلنا أن ذلك قد يحسب من نقاط الضعف كذلك! عندما تسود نزعة التمرد على الواقع الذى يتعارض مع المصالح الظاهرة للأفراد أو المجموعات، يصبح السعى للتغيير فى أغلب المجالات غير مستقرا، ذلك أن التغيير، فى أغلب صوره، يفيد البعض و يضر بالبعض. لذلك فإنه من الطبيعى أن تتحرك الفئات المتضررة لمنع التغيير حفاظا على مكتسباتها و مصالحها. و مع زيادة الحريات الإجتماعية و السياسية يصبح من السهل على تلك الفئات التجمع و الحشد ضد التغيير بنفس الأساليب التى يستخدمها أصحاب الدعوة للتغيير! من هنا وجبت مراعاة التدرج فى الخطوات التى تضر بمصالح تلك الفئات كما يجب العرض المستمر و المتكرر للمنافع المستقبلية المتوقعة من تلك الخطوات حتى يمكن تحييد أكبر قدر ممكن من تلك الفئات.

هنا وجبت الإشارة كذلك إلى أن المجتمعات، بشكل عام، تميل للإلتفاف حول الأفراد و ليس الأفكار، البرادعى و حازم ابواسماعيل و السيسى و من قبلهم سعد زغلول و جمال عبد الناصر و غيرهم كثيرون. و ما ذلك إلا انعكاس للنزعة الطبيعية للبشر فى التفكير فى الصور الواضحة أكثر من المعانى المجردة! للتغلب على هذه النقطة يصبح لزاما على أصحاب الدعوة للسير فى طريق الحرية أن يعملوا على محورين أساسيين، الأول، استقطاب أكبر قدر ممكن من الشخصيات العامة للدعوة لأفكارهم، الرياضيين و الممثلين و الكتاب من أصحاب الفكر المتحرر و المغنيين و غيرهم. أما المحور الثانى فيعتمد على صناعة النجوم! من بين الداعين للحرية، يوجد من يملكون القدرة الشخصية على اجتذاب المستمعين و المشاهدين (الكاريزما)، و لكنهم ليسو من الشخصيات العامة (النجوم)، لذلك يصبح لزاما على المنظمات الداعية للحرية أن تصنع منهم شخصياتا عامة عن طريق دفعهم إلى المناقشات العامة فى وسائل الإعلام و فى المحافل الاجتماعية و السياسية و نشر مقاطع الفيديو التى تشير إليهم باعتبارهم شخصيات عامة، و إن كانو من أصحاب الفنون كالغناء و الشعر وجب نشر ما ينتجونه من أعمال من خلال شبكة كبيرة من وسائل العرض و الاعلام.

الفرص المتاحة

من أهم الفرص المتاحة لدعاة الحرية وجود الآلة الإعلامية المهولة متمثلة، أساسا، فى التليفزيون و الصحف! قد يظن الكثيرون فى هذه المرحلة أن تلك الأجهزة تناصر نظاما استبداديا، نظام عسكرى يحاول الرجوع بمصر إلى ما قبل ثورة يناير، و لكن دعنا نبتعد عن الانفعال للحظات و ننظر للوضع من زاوية مختلفة.

لو حاولنا تحليل المنظومة الإعلامية إلى عناصرها الأساسية نجد أنه من وجهة نظر الملكية، يوجد ما هو مملوك للدولة و ما هو مملوك لمؤسسات أو أفراد بعينهم. و فى كلتا الحالتين، يجب أن نتوقع أن تعرض المؤسسة الإعلامية وجهات النظر و الأخبار التى لا تتعارض مع مصالح المالكين سواء المصالح السياسية كما هو الحال أساسا فى الملكية الحكومية أو المصالح الإقتصادية و السياسية أيضا كما هو الحال فى الملكية الخاصة.

كذلك فإن المادة السياسية التى تقدم من خلال هذه الأجهزة، تليفزيون و صحف، تنقسم كذلك إلى قسمين أساسيين، الأول هو ما يقدمه العاملون فى المؤسسة، و ذلك ما يعكس إتجاه المؤسسة بشكل عام كنشرة الأخبار أو البرامج التى يقدمها مذيعون قليلى "الصيط" أو الموضوعات التى تتم صياغتها من خلال الإدارات الصحفية كالتحقيقات الصحفية. أما القسم الثانى فهو ما يعتمد على الكاتب أو المذيع بغض النظر عن المؤسسة، كفهمى هويدى و معتز عبد الفتاح و محمود سعد و ابراهيم عيسى و غيرهم.

كيف إذا يمكننا أن نعتبر هذا الواقع فرصة؟ فى البداية، دعنى أؤكد أن محاولة إنشاء مؤسسة لنشر أفكار الحرية ليست بالفكرة المثلى، و ذلك لأسباب مختلفة، أولا، التكلفة الباهظة لإنشاء المؤسسة و إنتاج المادة الثقافية و الترفيهية التى يسعى إليها المواطن، ثانيا، الوقت المطلوب، بطبيعة الحال، حتى تبنى المؤسسة القاعدة المطلوبة من المشاهدين و القراء، ثالثا، الدخول فى سوق به درجة عالية جدا من التنافس يجعل من الصعب الوصول بسهولة إلى الأهداف المنشودة من المؤسسة الإعلامية. الفرصة إذا تأتى فى استغلال القاعدة الموجودة بالفعل من المؤسسات الإعلامية و الإعلاميين أصحاب التأثير (النفوذ).

أولا، على مستوى المؤسسات الإعلامية، نحتاج إلى العمل على محورين، الأول هو شراء أو المشاركة فى المؤسسات الإعلامية الأكثر نفوذا و ذلك لإستغلال القاعدة الإجتماعية الموجودة فعلا لهذه المؤسسة. عند إتباع هذا الأسلوب يجب مراعاة نقطة غاية فى الأهمية، ذلك أن القاعدة الإجتماعية التى تعطى تلك المؤسسة قوتها تنجذب إلى تلك المؤسسة، الصحيفة أو قناة التليفزيون، لأنها تقدم مادة إخبارية و ترفيهية تتناسب مع رغباتهم. و لذلك فإنه لا يجب التأثير بشكل كبير و واضح فى تلك المادة حتى لا تهرب القاعدة الإجتماعية إلى مؤسسة أخرى أو منتج آخر، بل يجب مراعاة أن يبقى الحال على ما هو عليه "إلا قليلا".

أما المحور الثانى للتأثير على المؤسسات الإعلامية فيأتى من خلال التأثير على موارد الدخل لتلك المؤسسات. مصدر الدخل الرئيسى لمؤسسات الإعلام يأتى من الدعاية و الإعلانات! و دعنا هنا نشير إلى أن هناك الكثير من تلك المؤسسات التى تعتمد على ممول رئيسى واحد الذى قد يكون فرد أو مؤسسة. و لذلك وجبت دراسة تلك المؤسسات لتقدير إمكانية التأثير فيها عن طريق الإعلانات.
ثانيا، على مستوى الأفراد أصحاب التأثير، فقد أشرنا فى نقاط الضعف أن المجتمعات بشكل عام تحب الإلتفاف حول الأفراد و ليس الأفكار! يظهر ذلك بوضوح على مستوى المؤسسات الإعلامية فى المبالغ الطائلة التى يدفعها أصحاب تلك المؤسسات لكى يعمل "أحد أصحاب الأسماء الكبيرة" من خلالها. هنا وجبت الإشارة بوضوح أن "شراء" تلك الاسماء بالمال لا يمكن أن يكون جزءا من الخطة للتأثير فى المجتمع ذلك أن الشراء بالمال لا يتعدى أن يكون كشراء الخمور و المخدرات، يأتى بلذة سريعة و خيبة أمل تبقى إلى الأبد!
كذلك، فإنه يجب أن نلاحظ أن السمة العامة فى هؤلاء الإعلاميين و الصحفيين هى الدعوة للحرية بشكل عام. للتوضيح، فإنه قبل الثورة كان أغلبهم من المعارضين للحكم الاستبدادى كما أن معارضة الكثير منهم لحكم د/ محمد مرسى كان تحت دعوى أنه سيؤدى إلى حكم استبدادى! من هنا نرى أنه من السهل بشكل عام إستمالة أغلبهم للدعوة إلى الأفكار الساعية إلى طريق الحرية و بالتالى إستخدام تأثيرهم على المجتمع فى عرض فوائد العمل على هذا الطريق و التقليل من تأثير الأضرار المؤقته التى تقع على بعض فئات المجتمع.

من الفرص المتاحة لدعاة السعى فى طريق الحرية هو وجود الحالة المتردية للإقتصاد! تلك الفرصة ذات وجهين، الأول هو أن الإدعاء بفشل الحكومة فى رفع المستوى الاقتصادى دليل على عدم قدرتها على الأداء بشكل مناسب، كما حدث من معارضى د/محمد مرسى. أما الثانى فهو ببساطة أن العمل فى هذا الوضع المتردى سيسهل التغيير الإيجابى (لا يمكن أن تنزل تحت القاع). كل ذلك، ببساطة، يعتمد على انخفاض مستوى الوعى بالحقائق و المؤشرات الاقتصادية كما سنعرض فى الحديث عن المصاعب.

المصاعب الموجودة

من المصاعب التى يجب أن تواجه بشكل فعال هى مشكلة "عدم الوعى"! ذلك أن أغلب أفراد المجتمع لا يمتلكون الوسائل الكافية لإدراك أسباب المشاكل التى يواجهونها أو لإدراك نتائج ما تقوم به الحكومات على المدى القصير أو البعيد. من الأمثلة التى تمكننا من توضيح هذه النقطة، ما ثار من لغط حول "سد النهضة" و كيفية تعامل الحكومة المصرية معه؛ مما لا يمكن التغاضى عنه أن أحد أسباب المشكلة كان إنقطاع مصر سياسيا و اقتصاديا عن الدول الافريقية التى تشترك معها فى حوض النيل مما نزع من مصر كل وسائل التأثير على القرار السياسى فى تلك الدول. كما أن الأحاديث التى دارت حول الحل العسكرى و الحلول التخريبية عكس قدر الجهل بمجريات الأمور الدولية الذى يعانى منه المجتمع المصرى.

من الأمثلة الأخرى، التى تعكس مقدار إنخفاض مستوى الوعى فى المجتمع، موضوع المرتبات و الأسعار! استطاعت بعض القوى السياسية اللعب بمشاعر محدودى الدخل و حشدهم للمطالبة برفع الأجور و تحديد حد أدنى لها لتصبح عادلة، كما يدعون. لم تلتفت تلك الجموع، و لن أقول القوى السياسية، إلى أن زيادة الدخول التى لا تصاحب زيادة فى الإنتاج تستتبع، بالضرورة، زيادة فى الأسعار (التضخم) أو إنخفاض قيمة العملة! و ذلك بغض النظر عن ما سيستتبعه ذلك أيضا من ارتفاع معدلات البطالة!!! و عندما بدأت الفئات المتضررة من التضخم فى الشكوى من "إرتفاع الأسعار" ذهبت نفس القوى السياسية للضغط على الحكومة لتفرض حد أقصى لأسعار بيع السلع (التسعيرة الإجبارية أو الإسترشادية) و ذلك أيضا بدون الوعى بنتيجة ذلك من نقص حتمى فى الكميات المعروضة من تلك السلع على المدى المتوسط و البعيد!

تكمن الخطورة، فى عدم الوعى، فى سهولة تلاعب القوى السياسية المختلفة بمشاعر حب تلبية الإحتياجات الأساسية (الرغبة) بأسرع وقت ممكن و حب تجنب المصاعب (الرهبة) لأبعد مدى ممكن. و يكون هذا التلاعب لتحقيق تعاطف "سياسى" من جموع الشعب لتمكين تلك القوى من الوصول لأهدافها السياسية. هنا وجبت الإشارة إلى أن أهل العلوم السياسية مؤمنون تماما أن تحريك جموع الشعب، أى شعب، يجب أن يكون عن طريق اللعب على أوتار الرغبة و الرهبة! ذلك أن الشعوب، بشكل عام، تفتقر إلى التفكير بشكل منطقى!!!

للتغلب على مشكلة إنخفاض الوعى يمكن العمل على كثير من المحاور. من أهم هذه المحاور هو الإهتمام بعرض الثوابت العلمية المتعارف عليها فى علوم الاقتصاد خصوصا، و العلوم الاجتماعية بشكل عام، باستخدام الوسائل التى أشرنا إليها سابقا. كما أنه من الضرورى استخدام منابر المساجد و الكنائس و المدارس و الجامعات لتوصيل تلك المبادئ لأكبر قدر ممكن من فئات المجتمع. و أكرر هنا، أن التوعية يجب أن تكون من خلال عرض الثوابت أو من خلال عرض وجهات النظر المختلفة، ذلك أن عرض "وجهة نظر واحدة" لا يمكن تسميته بالتوعية و إنما يجب أن يسمى "غسيل مخ"!

كما لا يسعنى هنا أن أغفل أن ما تقرأه أنت الآن ما هو إلا "وجهة نظر" شخصية تحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب.
لذلك فإن من الوسائل التى يجب إتباعها على المدى القصير هو أسلوب الترغيب و الترهيب، للأسف! الحقيقة المؤسفة هى أنه مهما ارتفع مستوى الوعى السياسى فى أى مجتمع، ستظل كل المجتمعات تفكر بلغة الرغبة و الرهبة، و إذا كان هناك أى فصيل سياسى أو فلسفة سياسية أو مرشحين سياسيين يريدون الوصول للمناصب السياسية التى تمكنهم من من تنفيذ برامجهم (سواء للإصلاح أو للإفساد) فإنهم جميعا يجب أن يتكلموا بلغة الشعوب، و تبقى لغة العقل و المنطق هى اللغة التى تستخدم مع "خواص" الناس لإقناعهم بمدى فائدة أو ضرر هذه السياسة أو تلك!

من المصاعب التى سيواجهها دعاة السعى فى طريق الحرية هى وجود أصحاب النفوذ المادى و الاجتماعى ممن يريدون بقاء الوضع على ما هو عليه. و قبل الدخول فى الحديث عن هذه المشكلة يجب أن أذكر أن أصحاب النفوذ ليسو بالضرورة راغبون فى الإفساد و لكنهم أصحاب وجهة نظر تخالف الوجهة التى نحاول عرضها كما أنهم فى الغالب متضررون من السير فى طريق الحرية. من الطبيعى، كما عرضنا من قبل، أن تدافع عن ما تراه مصلحة لك و أن تحارب أو تقاوم ما ترى أن فيه ضرر لمصالحك أو مصالح أبنائك.

من الميول الطبيعية للإنسان السعى للمال أو النفوذ أو الشهرة أو التقدير من الآخرين. أغلب الناس يميل إلى واحدة من تلك الميول أكثر من الآخرين كما أن البعض قد يميل إلى أكثر من واحدة! من هنا وجب التواصل "القوى" على المستوى المحلى مع كل أصحاب النفوذ من أصحاب مؤسسات و شركات إلى شيوخ القبائل و عمد القرى و أعضاء المجالس النيابية السابقين. و يكون هذا التواصل ذو هدفين رئيسيين. الأول هو التعرف على ميولهم إلى الأفكار التحررية و الثانى للتعرف على رغباتهم فى المال أو النفوذ أو الشهرة أو التقدير من الآخرين. و بالتالى السعى لاستقطاب المحبين للتحرر و التجديد و السعى لتحييد المعارضين كما يتم إستخدام ميولهم الشخصية بإقناعهم بالفوائد التى ستعود عليهم.

من هنا تظهر أهمية العمل على المستوى المحلى! يجب أن توجد فروع محلية للحزب أو المؤسسة التى تسعى إلى اجتذاب المجتمع إلى طريق الحرية على كل المستويات. يكون الدور الرئيسى لتلك الفروع هو ضم الأفراد، خصوصا من الشباب، إلى صفوف الحزب و تقديم الدعم المعنوى من حيث التشجيع و تقديم النصح فى العمل السياسى و تشجيع التقارب الاجتماعى بين أفراد هذه الفروع و ذلك لضمان إستمرارية التحفيز. و يجب التأكيد على خطورة استخدام أنواع الدعم المادى أو توفير فرص العمل، مثلا، بين هؤلاء الأفراد، ذلك أن هذا النوع من المحفزات يزول تأثيره بسرعة كما أنه يؤدى إلى الدخول فى منافسة مع المؤسسات السياسية الأخرى و الذى سيؤدى بالضرورة إلى تقديم تنازلات للحصول على الموارد المطلوبة لاجتذاب هؤلاء الافراد! و تكون المهمتان الرئيسيتان لهذه الفروع المحلية هما توسيع القاعدة البشرية للحزب أو المؤسسة كما أنها تعمل على التعرف على أصحاب النفوذ و تحديد المؤثرات الممكنة و الفعالة على كل منهم.

يدعونا ما سبق إلى الانتباه إلى إحدى المصاعب المفروضة فى المجتمع المصرى، تلك أن حقيقة المجتمع تفتقر، فى حالات كثيرة، إلى التجانس الثقافى و الفكرى و الاجتماعى و المادى. تفرض هذه الحالة درجة عالية من الصعوبة فى صياغة الأهداف و عرضها فى المحافل المختلفة. للتغلب على هذه الصعوبة يجب أن توضع الأهداف بشكل واضح مع كونها محددة و قليلة العدد كما تجب الصياغة بشكل "محلى" لتسهيل الاستيعاب.

للتلخيص، عرضنا فى هذا المقال تحليل بيئى لنقاط القوة و الضعف و الفرص و المصاعب المتاحة لمن يريدون دعوة المجتمع إلى طريق الحرية. ظهر من تلك النقاط أن حالة التمرد الموجودة فى المجتمع هى من نقاط القوة و الضعف معا كما عرضنا أن حالة الاستقطاب الشديد التى يعيشها المجتمع تضيف إلى نقاط القوة الكامنة فى الدعوة للحرية كما أشرنا إلى نقطة الضعف الكامنة فى المجتمع و التى تدور حول الرغبة فى الالتفاف حول الأفراد و ليس الأفكار. ثم حولنا انظارنا إلى الفرص المتاحة للدعوة للحرية و من أهمها وجود البنية الأساسية المهولة فى المؤسسات الإعلامية و كذلك وصول الاقتصاد إلى حالة متردية بعد تلك الفترة من الاصطرابات السياسية الداخلية. و أخيرا التفتنا إلى المصاعب الموجودة و على رأسها إنخفاض مستوى الوعى فى المجتمع و وجود أصحاب نفوذ مادى و سياسى منتشرون فى أماكن مختلف و حقيقة انقسام المجتمع داخليا إلى ثقافات متعددة.

فى ما يلى سوف نتعرض لصياغة للأهداف العامة التى ننصح بأن توضع أمام الداعين للحرية، كما سنقترح إطار عام للخطة التنفيذية لتحقيق هذه الأهداف.

و الله أعلم

No comments:

Post a Comment