Wednesday 17 October 2012

ليه يا بابا هدو الأوضه بتاعتنا؟

وقفت  "صابرين" إبنة العشر سنوات بين أبويها تشاهد معهما مشهدا جديدا بالنسبة لها

كانت جرافة البلدية فى مدينة الشروق تقطع أشجار الجوافة و الليمون و التين التى زرعها أبوها "عم يحيى" منذ سنوات فى الأرض الرملية التى يقع عليها بيت مكون من غرفة واحدة ... كانت تدعوها صابرين "بيتى" منذ أن عرفت معنى كلمة بيت

بجوار هذه الغرفة يقع مبنى آخر مساحته متر مربع كانت تدعوه صابرين "الحمام" حيث تعلمت كيف تقضى حاجتها منذ كانت فى الثانية من عمرها

نظرت صابرين بذهول إلى أبويها الذان ملأت أعينهما الدموع و هما يشاهدان بيتهما و الأشجار التى كانوا جميعا يستظلون بها و يأكلون من ثمارها على مدار العام تقتلع من  الأرض  و سألت فى براءة "ليه يا بابا هدو الأوضه بتاعتنا؟" ... لم يجد عم يحيى كلمات يرد بها على سؤال ابنته ... و دار شريط السنوات الماضية فى عقله

عم يحيى  أو "أبو كسبان" كما يطلق عليه من يعرفه، رجل بسيط من محافظة المنيا، أتى إلى مدينة الشروق منذ سنوات باحثا عن لقمة العيش

تعرف على أصحاب المنازل فى الحى السابع بالمدينة و استأجروه للحراسة ... وجد عم يحيى مساحة من الأرض مجاورة للمنازل التى يحرسها و وجد بها "محبس مياه" فتحركت غريزة الفلاح فى نفسه و بدأ يقلب الأرض بفأسه و يحولها إلى خطوط متوازية و أحواض متجاورة ... ثم اشترى عم يحيى بذورا و زرع ملوخية و بقدونس و نعناع و جرجير و  ... ثم أتى بشتلات من الجوافة و الليمون و التين البرشومى و أحاط حديقته بسور من التين الشوكى و أشجار "الفيكس" ... باختصار، حول عم يحيى الأرض الميته إلى مزرعة منتجة يأكل منها و يبيع فى سوق المدينة و يقدم منها هدايا إلى أصحاب المنازل الذين يستأجرونه! ... تربت صابرين فى هذه الجنة تلعب مع إخوتها و أبناء حراس المنازل المجاورة ... و عندما كانت تشعر بالجوع، كانت تمد يدها و تقطف ما تريد من رزق الله لتأكله

بعد سنين من العمل المستمر فى هذه الحديقة، خطر لأحد أصحاب المنازل المطلة على تلك الحديقة المثمرة أن الجمال فى المنظر لا يمكن أن يتحقق من مجرد وجود نباتات خضراء ... و إنما الجمال لا يأتى إلا من "النجيلة الخضراء" ... أسرع الرجل إلى من يعرفهم فى جهاز مدينة الشروق و "قام بتذكيرهم" أن هذه المنطقة يجب أن تزرع بالنجيلة ... فما كان من الجهاز إلا أن تحرك بكل ما يملك من إمكانيات "لإزالة التعديات الموجودة على أراضى المدينة من تين و جوافة و جرجير و ملوخية" ليعد الأرض لزراعة النباتات التى تفيد البيئة و المجتمع و الفقراء ... النجيلة و نباتات الزينة

لا يخفى عليكم كذلك أهمية "تعيين موظف حكومة" ليروى النباتات "المهمة" بالمياه العذبة المدعومة من ميزانية الدولة لتصبح قطعة الأرض هذه "جنة خضراء" من النجيلة

بالطبع لا تفهم صابرين أهمية النجيلة فى خدمة المجتمع و البيئة لأن أبويها لم يعلماها أكل "النجيلة" منذ صغرها ... طبعا هذا هو خطؤهم

عندما شاهدت هذا المشهد أمام بيتى، خطرت فى عقلى مجموعة من الأسئلة "العبيطة" كالعادة

هل يفيد الجرجير و الملوخية البيئة؟
هل تقوم أشجار الزينة بتغذية الطفلة الصغيرة؟
هل أنفقت الدولة أموال الضرائب لتنقية مياه النيل لتشربها النجيلة بدلا من صابرين؟

و بدأ عقلى "العبيط" يسرح فى مشاهد من الخيال العلمى، رأيت فيما يرى "الصاحى" شوارع القاهرة و قد زرعت بأشجار الليمون و الزيتون و التين و المساحات المفتوحة ينبت منها الجرجير و النعناع و البقدونس ... و حين يريد أحد الفقراء أن يأكل فاكهة، ما عليه إلا أن ينزل إلى الحديقة "المجاورة" لبيته فيقطف ما يريد لنفسه و لأولاده ... و حين تنوى زوجته "الطبيخ" تخرج فتقطف أعواد الملوخية  من الشارع و تعد بها أكله لأبنائها حين يعودون من المدرسة 

طبعا هذه تخاريف بسبب وقوفى فى الشمس أثناء مشاهدتى لجرافة جهاز مدينة الشروق تزيل الجرجير و النعناع و التين الشوكى و الجوافة التى كان عم يحيى يقطف منها و يعطى أبنائى  ليأكلوا منها و يعطونى بعضا من النعناع لأضعه فى كوب الشاى

بالمناسبة، هذه قصة حقيقية تحدث أمام منزلى الآن و لم أجد فى استطاعتى أى شئ أقوم به لمساعدة عم يحيى سوى كتابة هذا المقال ... أرجو أن لا أكون قد أزعجتكم بقصة الرجل الفقير فهى بالطبع ليست مهمة  الآن لأننا جميعا يجب أن نهتم بموضوع الدورى العام و ألتراس الأهلى

و دمتم بخير