Saturday 12 October 2013

حرية ... عدالة ... وعى

 

لمن لا يعرفنى، انا معلم! مهمتى فى الحياة أن أعلم من حولى ما علمنى الله ...

و المعلم الذى يبغى أن يخلق اجيالا من الشباب المتعلم، يطرح اسئلة كما يشير الى إجابات و يوضح حقائق! و قد تكون الأسئلة هى أهم عناصر التعليم، ذلك لأنها تحث على البحث عن الحقائق و تشكيل الآراء ... أما عرض وجهة النظر، الخاصة بالمعلم، فيحث على التراخى و قول: "هكذا قال معلمنا" بدلا من: "هذا رأيى و الله أعلم"

من المهام التى يجب ان اقوم بها كمعلم هى أن اوضح الفرق بين الرأى و الحقيقة! و كل ما قرأت حتى الآن رأى! و كل ما ستقرأه هنا رأى ... و الحقيقة هى أن الرأى يحتمل الصواب و يحتمل الخطأ ... مع ذلك تذكر دائما أن ما لا يؤخذ كله لا يترك كله.

كل من يتكلم هذه الأيام فى امور السياسة يبتغى لمصر الأمن و الرخاء الاقتصادى و الاستقرار السياسى ... و اغلب الناس، و انا منهم، يرى ان هذا هو المبتغى الرئيسى لأى مواطن و أى حكومة ... بل يمكن لنا أن نعمم و نقول أن هذه الأهداف هى السبب الرئيسى لخلق فكرة الدولة بشكل عام.

من هنا نبدأ فى الإتجاهات السياسية ... يختلف الناس على كيفية الوصول للأمن و الاستقرار السياسى و الرخاء الاقتصادى ... البعض يسعى للشمولية و البعض يسعى للديموقراطية و البعض يسعى للفاشية و و و و ... المهم أن الهدف واحد! المهم ان الجميع متفقون فى الأصل و إنما الاختلاف فى الفروع.

انتهى هنا دورى كمعلم، و يبدأى دورى كصاحب رأى!

الحرية تحقق الاستقرار السياسى و تحقق الرخاء الاقتصادى و تحقق الأمن! و مع ذلك، فإنه ليس بالضرورة أن يأتى الأمن و الاستقرار السياسى و الرخاء الاقتصادى عن طريق الحرية!!!

كثير من النظم الاستبدادية مستقرة سياسيا، ولو إلى حين، و الكثير و الكثير يعيش فى رخاء اقتصادى، و اكثرها يعيش فى أمان إلى حد كبير. مع ذلك، فإنها جميعا تشترك فى قمع الحريات و قطع الألسنة و فرض الرأى.

مع ذلك، فإن جموع الناس لا صبر لها على طريق الحرية ... للوصول الى الأمن و الرخاء و الاستقرار من خلال طريق الحرية، يجب أن يمر المجتمع بمصاعب كبيرة و عقبات يفرضها الواقع الاجتماعى الذى يستفيد من الاستقرار "الظاهرى" الذى توفره النظم الاستبدادية. كما ان السعى فى طريق الحرية يهدد مصالح الكثير من المواطنين "العاديين" و "اصحاب النفوذ"، و الذين سيقومون "بشكل طبيعى" برفض و عرقلة و تعطيل هذا السعى.

دعنى هنا اذكرك بحقيقتين غاية فى الأهمية، أولا ما أقوله حتى الآن هو رأيى و قد ينطبق على بلدى، مصر، و على كثير من دول العالم و قد يكون مخالفا للصواب تماما. ثانيا، النظم الاستبدادية و من يسعون لفرضها ليسوا بالضرورة متعمدون للإفساد، و إنما الكثير منهم، و قد يكون أغلبهم، مؤمنون تماما بأن هذا هو الطريق الأمثل للأمن و الاستقرار و الرخاء، و بالتالى لا يمكن وصفهم "بالشر" أو "النفاق" و ما إلى ذلك.

نعود للحديث عن الحرية! ذكرت فيما سبق أن جموع الناس لا صبر لها على طريق الحرية لعدة أسباب ... من أهم هذه الأسباب ان المجتمعات الفقيرة تسعى فى الأصل الى "أكل العيش" أو السعى لتوفير الغذاء و الكساء و المأوى، و هذا سعى طبيعى لا يمكن ان تلوم فيه أحدا. و عندما يفتقر المواطن لهذه العناصر، أو أحدها، قد لا يلقى بالا للوسائل التى تمكنه من الحصول عليها لأنها من مقومات "الحياة" التى لا يمكن إرجاؤها لسنين أو أيام أو حتى ساعات! بل قد يقاتل المواطن، أو مجموعة من المواطنين، كل من يعتقدون أنهم قد يقفوا فى طريقهم للحصول على تلك المقومات. طبيعى! و الحقيقة هى أن هؤلاء قد يسعون دائبين على التخلى عن الحرية فى مقابل الحصول على المقومات الأساسية للحياة!!!

لا عجب من ذلك ... انك الآن تقرأ هذا المقال من خلال جهاز الحاسب الذى تستخدمه فى الدخول على شبكة المعلومات و تجلس فى مكان مريح تأمن فيه على نفسك و قد يكون بجوارك كوب من المشروب الساخن لتدفئ نفسك به أو لتوقظ عقلك من كسل النوم ... بل و قد تكون ممن يتصورون أن الحرية أغلى من الغذاء و الكساء و المأوى ... و الحقيقة هى أنى أشترك معك فى هذا ... مع ذلك فإنى أحاول أن أنظر للواقع من وجهة نظر كل من يسعى للوقوف فى طريق الحرية!

بالنسبة لى، الحرية هى الطريق الوحيد للأمن ... الحرية هى الطريق الوحيد للإستقرار السياسى ... الحرية هى الطريق الوحيد للرخاء الاقتصادى! و إذا كان لزاما أن اختار بين الحرية و بين الأمن و الاستقرار و الرخاء، سأختار الحرية!!!

لا تدع الحماس يأخذك بعد هذه الكلمات ... إن سعيى و سعيك للحرية على حساب الأمن و الاستقرار و الرخاء قد يحقق لنا، أنا و أنت، الإحساس بالسعادة، و لكنها سعادة على حساب الفقراء و الضعفاء و من لا حيلة لهم ... إننى لا أهتم بأصحاب المصلحة فى النظم الاستبدادية، بالمرة، لأنهم يختارون طريقهم كما تختار انت و أختار أنا، و لكن لا يمكن أن أغض البصر عن من لا يصبرون على نقص الغذاء و الكساء و المأوى!!! و إن غضضنا البصر عن ذلك نكون أسوأ ممن يفسدون لمصلحة شخصية قصيرة المدى، ذلك لأننا، أنا و أنت، ندرك، أما المفسدون فهم "لا يشعرون"

بما أنك قرأت كل ما سبق، فأنت، فى الغالب، تتساءل الآن عن الطريق إلى الحرية كما تتساءل عن معنى العنوان "حرية، عدالة، وعى"! دعنى إذا أبدأ بالعنوان. إن كنا متفقين على أن الحرية، لنا و للآخرين، هى الطريق للأمن و الرخاء و الاستقرار، فقد نتفق على أن الحرية وحدها لا تكفى ... العدل هو المقوم الرئيسى لحفظ الحرية! بدون عدل لا يمكن الإبقاء على الحرية ... و العدل هنا لا يعنى "العدالة فى التوزيع" بالمرة و إنما يعنى العدل فى الحصول على الحقوق و العدل فى الحفاظ عليها، باختصار، العدل فى القضاء!

"حريتك تنتهى عند حدود حرية الآخرين" و للحفاظ على حريتك و حرية الآخرين يلزم واحد من أمرين: إما أن تمتلك القوة الكافية للدفاع عن حريتك و حقوقك و إما أن يمتلك "المجتمع" نظام قضائى عادل و يملك، هو، القوة الكافية للحفاظ على حريتك و حقوقك. و قد لا تلزمنى الإشارة أن الحل الأول نحتاجه جميعا فى حالة عدم وجود دولة! أما مع وجود الدولة فيجب أن نتنازل عن امتلاك القوة، الشخصية، لصالح الدولة حتى يمكن تحقيق الأمن و الاستقرار للمجتمع. من هنا قد نتفق على أن طريق الحرية للوصول الى الأمن و الاستقرار و الرخاء يلزمه نظام قضائى عادل يسمح لكل أفراد المجتمع فى السعى لتحقيق أهداف الأمن و الاستقرار و الرخاء! و أعيد هنا أن العدل هو المقوم الرئيسى لحفظ الحرية!

حتى تحقق الحرية أهدافها من الأمن و الاستقرار و الرخاء بمساعدة العدل يجب أن يساندهما الوعى! الوعى يمكن تعريفه ببساطة أنه "المعرفة بأسباب الأمور و نتائج الأعمال"! الوعى لا يحتاج إلى سنوات من التعلم فى المدارس و الجامعات كما أن الوعى لا يستلزم قراءة المجلدات فى الاقتصاد و علم النفس و العلوم الاجتماعية! الوعى أبسط من ذلك بكثير ... الوعى يستلزم القدرة على الادراك أولا ثم اللجوء العاقل للمشاعر و المنطق! و قد تعمدت أن أذكر المشاعر قبل المنطق ... الإنسان فى الأصل مخلوق من مشاعر. عندما تتقابل مع ظروفك الخارجية تتفاعل معها بمشاعرك أولا ثم "تحاول" إعمال عقلك لتأخذ القرار فى كيفية "رد الفعل"!

الإنسان "المتحضر" أو "المتمدين" (Civilized)  هو الذى يتميز بالقدرة على إعمال "المنطق" فى توجيه "المشاعر" للتعامل مع "الظروف الخارجية" بأسلوب مقبول من المجتمع!

من هنا وجبت الإشارة إلى أن "العامة و الدهماء و الغوغاء" هم من يتميزون "بالإنفعال" طبقا للمشاعر بدون اللجوء "بكفاءة" للمنطق مما ينتج عنه أعمال "قد" لا تكون مقبوله من المجتمع أو "قد" تؤدى إلى إيذاء النفس أو الأفراد أو المجتمع!

نأتى هنا الى نقطتان مهمتان، لن يتسع المجال الى عرضهما الآن، و هما كيفية "زيادة" درجة الوعى فى المجتمع و العمل على تحقيق الحرية بأقل خسائر ممكنة!

باختصار، تعرضنا فيما سبق إلى أن الأمن و الاستقرار السياسى و الرخاء الاقتصادى هم الأهداف الرئيسية لأى حكومة فى أى دولة و أنه يمكن تحقيقهم بكثير من صور الحكم. كما تعرضنا إلى أن السبيل إلى تحقيق هذه الأهداف بشكل قابل للدوام لفترات طويلة لن يتم إلا بوجود حرية يدعمها عدل و كلاهما يعتمد على الوعى.

و سنتطرق لاحقا، إن شاء الله، الى كيفية السعى للحرية بأقل الخسائر ثم إلى كيفية زيادة الوعى فى المجتمع!

و الله أعلم

No comments:

Post a Comment