Saturday 12 October 2013

الحرية

 

ذكرنا، فيما سبق، أن الحرية هى الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الأمن و الاستقرار السياسى و الرخاء الاقتصادى.

كما اكدنا ان الحرية تحتاج الى نظام قضائى محكم و ناجز لتمكين كل فرد فى المجتمع من الحفاظ على حريته. كما اظهرنا ان الوعى هو السمة التى يحتاجها المجتمع لقبول القضاء و تنمية الحرية.

كذلك، فقد وجبت الإشارة إلى أن هناك، على الأقل، فئتين معارضتين للسير فى طريق الحرية، الأولى هى التى ترى أن النظم الاستبدادية هى الأصلح، ذلك أنها أقدر على "فرض" الاستقرار و من ثم الوصول إلى الأمن و الرخاء و الحفاظ على هذه المقومات لفترات طويلة. أما الثانية، فهى الفئة المتضررة مباشرة من السير فى طريق الحرية للوصول إلى الأمن و الاستقرار و الرخاء ذلك أن تلك الفئة، و هى تمثل أغلب المجتمعات الفقيرة، لا صبر لها على نقص الموارد الأساسية للحياة من غذاء و كساء و مأوى.

كما يجب أن اذكركم بأن كل ما سبق و ما هو آت لا يعد إلا رأى شخصى يحتمل الخطأ كما يحتمل الصواب.

من هنا أصبح من الضرورى الوصول الى "اسلوب لإتخاذ القرار" (استراتيجية) السياسى يهدف إلى الوصول للحرية بأقل مقاومة ممكنة من تلك الفئتين!

تلك الاستراتيجية يجب أن تبنى على عمادين رئيسيين، الأول إقناع المعارضين أن الهدف سيكون ذو فوائد كبيرة لهم و الثانى تقليل الأضرار الواقعة عليهم أثناء السعى للحصول على الحرية.

من الضرورى إذا أن نقوم بتعريف الحرية بشكل يمكن لنا قياسه حتى نتمكن من تقدير مدى تحقيقه كهدف!

كلمة الحرية كلمة "مطاطة" تحتمل الكثير من المعانى و يمكن التلاعب بها بسهولة، لذلك، دعنا نتعرف على بعض تلك المعانى قبل أن نضع التعريف الذى يمكننا أن نقيسه و نضعه هدفا للاستراتيجية المنشودة. أبسط تعريف للحرية الشخصية يمكن أن يكون "قدرتك على اتخاذ القرارات التى تؤثر فى حياتك من خلال الظروف المفروضة فى البيئة المحيطة". يتميز هذا التعريف بتوضيح مدى قدرة القرارات الشخصية من حيث انها ثؤثر فى حياتك و لكن لا تتحكم فيها و من حيث ان الظروف المحيطة تفرض على الانسان و لا قدرة له عليها. قد يظن البعض ان هذا التعريف به درجة عالية من "القدرية"، و لكن عند التمعن فيه نرى أن قدرتك على اتخاذ القرار فيما تفعله أو تقوله أو تفكر فيه "انت" هى القدرة المطلقة لأى انسان و لكن مدى تأثير هذا الفعل أو القول أو التفكير محدودة بالبيئة المحيطة. 

مثلا: يمكنك أن تذهب إلى صندوق الانتخابات للإدلاء بصوتك لصالح مرشح دون الآخر (تأثير حر) و لكن نتيجة الانتخابات سوف تعتمد على كمية الأصوات، مجتمعة، التى يحصل عليها هذا المرشح أو ذاك (الظروف المفروضة). مثال آخر: عندما تفرض الظروف المحيطة بك أن تساق إلى الصحراء و يوضع حجر كبير على صدرك بسبب إيمانك بدين أو فلسفة فتلك ظروف مفروضة بسبب قرار اتخذته انت، و يمكنك ان تتخذ قرارا آخر بعد فرض تلك الظروف بأن تستمر على إيمانك أو تكفر به مما سيستتبع نتائج أخرى تفرضها الظروف المحيطة؛ تذكر تعريف الوعى بأنه "المعرفة بأسباب الأمور و نتائج الأعمال". و كل تلك الظروف لا تنفى حريتك فى اتخاذ القرار كما لا تنفى مسؤوليتك عن النتائج "الطبيعية" لهذا القرار.

كذلك، فإنه يمكننا تعريف الحرية على المستوى الاجتماعى بأنها "القدرة على اتخاذ القرارات فى كيفية السعى لكسب الرزق و اختيار المسكن و التنقل بما يسمح به القانون (التشريع) داخل المجتمع". هذا التعريف للحرية يتميز بأنه تعريف "مقيد" و ليس "مطلق" كالتعريف السابق، ذلك أن حريتك فى المجتمع تحتاج إلى الضوابط التى تسمح لتلك الحرية أن لا تتعارض مع مصالح المجتمع ككل أو بمصالح الأفراد المشاركين فى المجتمع. مثال: فى أى مجتمع متحضر تجتمع القوة المجتمعية لمنع الفرد من "كسب الرزق" عن طريق سرقة ممتلكات الآخرين. كذلك فإن هذا التعريف يشير صراحة إلى أن قوة القانون محدودة بحدود المجتمع!

مع ذلك، فإن التعريف السابق يتيح لنا القدرة على قياس مدى الحرية فى المجتمع. فإن المجتمعات التى تتيح لفرد أو لمجموعة أو للحكومة أن تفرض أعمالا بذاتها على أفراد فى المجتمع، سواء أعمال بأجر أو بدون أجر، تعد مجتمعاتا مقيدة للحرية الشخصية. كما أن المجتمعات التى تتيح لجميع افراد المجتمع، بدون أى تمييز، حرية التنقل و اختيار المسكن، بدون التعدى على الممتلكات الشخصية للآخرين، تعد مجتمعاتا ذات درجة عالية من الحرية. بل و يمكن ادراج المجتمعات التى "تساعد" الأفراد فى تحقيق رغباتهم (فى تغيير نوعية العمل، مثلا، عن طريق توفير وسائل التدريب المهنى أو تسهيل الحصول على القروض،) و وصف تلك المجتمعات بأنها "تشجع على ممارسة الحرية الشخصية".

نأتى لتعريف آخر للحرية، و هو "القدرة على تكوين المنظمات السياسية و عرض الرؤى السياسية و تولى، كفرد أو كمؤسسة، المناصب السياسة بطرق سلمية". يستثى هذا التعريف كل الوسائل التى تعتمد، فى فرض الرؤية أو تولى المناصب، على القوة العسكرية أو المدنية، كالميليشيات أو الجريمة المنظمة. يمكننا تسمية هذا التعريف بالحرية السياسية. يمكننا أن نقيس مدى الحرية فى المجتمع من خلال هذا التعريف عن طريق مدى صعوبة تأسيس الأحزاب أو المنظمات السياسية و درجة القمع التى تمارس على أعضاء مثل هذه التنظيمات. كما يمكن قياس مدى الحرية من خلال القدرة على عرض و مناقشة الأفكار السياسية فى المحافل العامة، الصحافة و التليفزيون و شبكة المعلومات الدولية و التظاهر، كما يمكن قياسها بقدرة الأفراد و المؤسسات السياسية على الوصول إلى المناصب السياسية الفعالة بل و يمكن قياسها بكمية المناصب المتاحة لجميع الأفراد و المؤسسات دون تمييز.

للتلخيص، فقد قدمنا فى هذا المقال ثلاث تعريفات للحرية أحدها مطلق لا يمكن قياسه و الآخران يمكن قياسهما أو على الأقل قياس بعض جوانبهما. لكيلا ننسى، الهدف مما عرضنا حتى الآن هو الوصول إلى تعريف للحرية يمكن قياسه حتى نبنى اسلوب لاتخاذ القرار (استراتيجية) يمكننا من اقناع أغلب فئات المجتمع بأن تتبنى طريق الحرية للوصول إلى الأمن و الاستقرار السياسى و الرخاء الاقتصادى.

و للحديث بقية

No comments:

Post a Comment