Monday, 27 June 2011

الفكر المختلف و الفكر المتخلف و الفكر المتطرف

يقال أنك لا ترى العالم كما هو و إنما ترى العالم كما تكون أنت!

العبارة السابقة ترجع إلى أن الإنسان لا يمكن أن يرى العالم من حوله إلا من خلال عيون خبراته السابقة و ما تعلمه من الآخرين. من هنا يؤكد الكثير من العلماء أنك لا يمكن أن ترى العالم بشكل محايد و مجرد من الأهواء.

قد أتفق فى بعض من أهوائى و خبراتى مع بعض الناس مما يؤدى إلى إتفاقنا فى وجهة النظر حول موضوع معين. إلا أنه من المؤكد أنه لا يمكن لأى إثنين من البشر أن يتفقا فى كل وجهات النظر حول كل الموضوعات المطروحة أمامهما.

إن هذه الحقيقة التى قد تغيب عن الكثيرين هى السبب الأساسى فى إختلاف الحلول المطروحة لأى مشكلة سياسية أو إقتصادية أو حتى علمية. فالعالم بالرغم من محاولاته المستميته للنظر للمشكلة بشكل محايد فإنه يتأثر بخبراته السابقة و قراءاته و معتقداته.

نرى الآن فى مصر الإختلاف على مشكلة الدستور أولا أو الإنتخابات أولا. كلا الفريقين له حجة قوية لا يمكن للآخر تجاهلها، إلا أن كلاهما يرى أن حجته أقوى و يتمسك بها!

نرى كذلك اليساريين من إشتراكيين و شيوعيين يذهبون إلى أن حلول المشاكل الإقتصادية فى مصر الآن حلولها فى أن تتدخل الدولة لتنظيم الأسعار و تتحكم فى المنتج المحلى من صناعات و خدمات حتى يمكن للمواطن أن يضمن حقوقه فى الحياة الكريمة.

بينما يرى أصحاب الفكر الرأسمالى و الليبرالى أن حلول مشاكل المواطن تكمن فى تحرير العمل و التجارة و الصناعة مما يضمن إزدهارا فى الحياة الإقتصادية و نموا فى الإستثمارات بما يضمن توفر فرص العمل للمواطنين و إرتفاع معدلات الدخل.

و على الجانب الآخر، نرى أصحاب الفكر الدينى من إخوان و وهابيين يرون أن مصلحة الوطن تأتى فى إتباع الشريعة الإسلامية فى كل جوانب الحياة مما يضمن الراحة النفسية للمواطن فى حياته و يضمن تأييد الله عز وجل للوطن فى تحقيق طموحاته.

لست هنا فى مقام تفنيد الحجج و إتخاذ جانب من الجوانب، إلا أنه يجب أن نلاحظ أولا أن كل التيارات السياسية و الإقتصاديه لها نفس الهدف و هو "حياة كريمة للمواطن" و الإختلاف إنما يأتى فى الطريق للوصول لهذا الهدف.

ثانيا، إن كل من التيارات السياسية يرمى الطرف الآخر بكل ما لذ و طاب من الصفات التى تسئ إليه و تشوه صورته، بالرغم من أن كل منها يسلك نفس السلوك تجاه الآخر! و هذا هو موضوعنا اليوم.

ينعت اليساريون اليمينيين بأنهم أصحاب فكر متخلف لأنهم يرجعون فى إتخاذ مواقفهم على أسس تاريخية أو دينية مما يجعل هذه الحلول مستوردة من الماضى. بينما لا يمكن أن يدعى هؤلاء أن المواقف و الحلول التى يعرضونها ليست مبنية على تاريخ الإقتصاد و الحركات السياسية فى أوروبا بالذات فى القرون الأربعة الماضية! و هنا يأتى دور اليمينيين بنعت اليساريين بأنهم أصحاب فكر متخلف لأنهم يتشبثون بأفكار و حلول أثبتت فشلها فى كثير من بلدان العالم الحديث و المعاصر و لا يريدون أن يخرجوا من جلباب هذة الأيديولوجيات للبحث عن الحلول فى أماكن أخرى كتاريخ الدولة الإسلامية فى عصور التقدم.

كذلك، فقد إجتمع اليساريون و الليبراليون و الرأسماليون على أن أصحاب الفكر الدينى هم أصحاب فكر متطرف! و لا أظن إجتماعهم على رأى واحد يأتى إلا من منطلق الخوف المشترك من القوى الدينية فى مصر. حين نسأل عن معنى صاحب الفكر المتطرف، تجد شبه إجماع على أنه "كل من ينادى بفكرة و يصر عليها و لا يقبل الأفكار الأخرى"!!! أليس ذلك ما يفعله كل أصحاب الأفكار السياسية! الوهابيون متطرفون لأنهم لا يقبلون المناقشة فى ما يرونه من الدين بالرغم من إختلاف الآخرين معهم، هذا صحيح، و لكن ألا يحسب العلمانيون على التطرف حين تراهم يهاجمون كل الحلول ذات المرجعية الدينية بدون البحث فى المزايا و العيوب بشكل علمى لمجرد أنها ذات مرجعية دينية؟

ألا نحسب اليساريين من المتطرفين لأنهم يرفضون كل ما يدعو إلى عدم تدخل الدولة فى الإنتاج بشكل مباشر و بيع القطاع العام لمجرد أن ذلك لا يتناسب فى فكرهم الداعى للتدخل المباشر للحكومة فى كل جوانب الحياة فى الدولة؟

ألا نحسب الرأسماليين على التطرف لأنهم لا يقبلون تدخل الحكومة فى الأسعار و لا الدخول و لا الإنتاج بأى شكل من الأشكال لأن نتائج ذلك، حسب ما يرونه، أن تعم الفوضى و ينتشر الفساد و الرشوة و نقص السلع؟!

عزيزى القارئ، أنت صاحب فكر مختلف و صاحب فكر متخلف و صاحب فكر متطرف!

لا تهاجم الآخر لأنه مختلف، إستمع إلى وجهة النظر الأخرى و تفهمها جيدا قبل أن تعرض وجهة نظرك. ذلك هو السبيل الوحيد للوصول إلى قلب و عقل الآخر. قد لا تنتهى المناقشة بين الطرفين بتخلى أحدهما عن رأيه و لكنها بالتأكيد ستترك فى قلب كل منهما حب و ثقة أكبر فى الطرف الآخر.

إنى أكتب هذا الآن لنفسى قبل أن يكون لك أنت! كما أنى أحاول أن لا أنسى أن كل ما كتبته فى هذه المقالة ليس إلا وجهة نظر لشخص واحد و أن هذا الشخص صاحب فكر مختلف و فكر متخلف و فكر متطرف! 

5 comments:

  1. كنت لسه بقول لواحد صحبي ان الناس مبقتش تسمع بعضها وكل واحد عايز يطلع عيوب التاني وخلاص

    والمقال ده بيعبر عن كل اللي عايز اقوله بجد

    اشكر حضرتك

    موضوع مهم وده وقته

    ReplyDelete
  2. "Similarities bring us to common ground, differences allow us to be fascinated by each other"

    ReplyDelete
  3. like it so much and this is what really happen ana alll of us must learn how listen carefully befor we talk that is the only way to reach our goals to save our country and make it better

    ReplyDelete
  4. و الله كلام حضرتك رائع يا دكتور

    ReplyDelete
  5. فعلا يا دكتور هو دا الكلام الماشى فى البلاد !!!

    ReplyDelete