Wednesday, 15 June 2011

"دا ديموقراطى" و "دا ليبرالى كافر"

يتذكر الكثير منا مشهد مشهور جدا من فيلم "البداية" حيث يحاول "نبيل بيه" أن يقنع إثنين من البسطاء أن الذى يعارضه فى إستيلائه على "الواحة" رجل غير مؤمن بالله ذلك أنه لا يقول أن "الحكم لله" و إنما "دا ديموقراطى"!

للأسف أن هذا الموقف "واقعى جدا" حيث أنى شخصيا سمعت من بعض الزملاء فى مصر و فى الخارج أن "الديموقراطية ضد الإسلام". لم أعبأ بمناقشة هؤلاء الزملاء من باب "و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" ذلك أن من له عقل يعى و عين تقرأ يجد ما لا حصر له من الأدلة الشرعية على أن هذه المقولة عبث و جهل لا يبغى أى ذو عقل أن يخوض فيه.

بعد ثورة 25 يناير، بدأ المصريون فى تكوين كيانات سياسية تعبر عن آرائهم و طموحاتهم فى المستقبل، و أصبحت المصطلحات السياسية متداولة بين عامة الناس و خاصتهم مما يدل على فرصة كبيرة جدا لنشر الوعى السياسى الذى نفتقر إليه منذ قيام ثورة يوليو 1952. و هنا وجد كثير من أصحاب الأفكار السطحية خطرا شديدا على وجودهم على الساحة السياسية، و خاصة أن الناس قد تم عندهم الوعى بأن "الديموقراطية الإسلامية" واقع يمكن الـتسليم بأهميته فى المرحلة القادمة لتغيير مصر إلى ما يحلم به كل المصريين.

بدأ هؤلاء بدعوى أن الليبرالية تساوى التحلل من الدين و القِيَم و إعطاء الحرية لكل من يريد أن يفعل ما يريد. و بالتالى فهذا فيه تعارض، فى بعض الأحيان، مع المعروف من الدين بالضرورة مما يؤدى إلى الخروج عن "المِلَّه"! وبدأ الظهور لمصطلح جديد و هو "الليبرالى الكافر" على وسائل المعلومات المختلفة.

أولاً، أحب أن أوضح أنى أعتبر نفسى ذو إتجاهات سياسية يمكن ان يطلق عليها إسم "الليبرالية الإسلامية". لكن يجب أيضا أن أوضح الصورة التى رسمها لى أحد الأصدقاء عن سبب رفض المصريين لكثير من المصطلحات السياسية حين قال لى "هذه المصطلحات لا تحمل أى عمق فى الثقافة المصرية و لذلك تُنَفِّر منها المواطن المصرى العادى" ... و كانت هذه الجملة كمصباح أضاء فرأيت من خلاله جانب كبير من المشكلة!

الليبرالية بالمفهوم العام هى التحلل من كل القيود الفكرية و البحث عن حلول المشاكل خارج كل الأطر التقليدية. من الطبيعى أن ينفر من هذا التعريف الكثير من المصريين و غيرهم من الغيورين على معتقداتهم و مبادئهم الثقافية. إلا أن المنظور يختلف تماما عندما نرجع إلى الإطار العام الذى نرى من خلاله الصورة.

إن الدستور فى مصر ينص على أن "الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع" و بما أن أى تيار سياسى يجب أن يلتزم بالدستور، فكل التيارات مهما كانت مسمياتها يجب أن تعمل و تطبق أفكارها فى إطار الشريعة الإسلامية. و إذا رجعنا إلى "السلف" فإنه يمكن القول بأن عمر بن الخطاب كان إشتراكيا ليبراليا و أن عثمان بن عفان و عمر بن عبد العزيز كانا رأسماليين و أن أبو ذر الغفارى كان شيوعيا! كما أننا نجد أن عبد الله بن الزبير بن العوام و معاوية بن أبى سفيان كانا ممثلين لتيار المعارضة لعلى بن أبى طالب و الخوارج يمثلون الميليشيات المسلحة التى تشن عمليات إرهابية على المواطنين الآمنين فى الدولة!

الليبرالى ليس كافراً!
الشيوعى ليس كافراً!
الديموقراطى ليس كافراً!
الكافر هو من يرمى الآخرين بالكفر بغير وجه حق!

هؤلاء الذين يرمون الآخرين بالكفر يرغبون فى زرع فكرة "الرفض" لكل المبادئ و الأفكار السياسية لمن ليس فى حزبهم و يستميلون إليهم كل ذى عقل ضحل و جهل كبير. إنه من الواجب على كل مصرى شريف أن يدعو من حوله إلى التفكر و التدبر فى كل ما يقال و أن يحسب عواقب الآراء المختلفة ثم يبدأ فى بناء وجهة النظر بعد التعرف على كل ما هو موجود على الساحة و يرفض من يتعامل معه على أنه غير قادر على التفكير و إتخاذ المواقف إلا فى إطار قد وضعه له الآخرون و أن يتدبر قول الله تعالى "لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى"

أنا أدعوك انت شخصيا إلى ممارسة العمل السياسى فى إطار أى حزب مصرى تظن أن أفكاره تتناسب مع أفكارك و إلا فلتجتمع مع من يفكرون بطريقة تتمشى معك و أسس حزبا جديدا يعبر عن رأيك

1 comment:

  1. احيك يا دكتور على المقالة دي, أنا موافقك الرأي جدا, أنا شخصيا كنت بقول ليه احنا بنستعمل مصطلحات غريبة علينا, وكمان من عصر الرومان واليونانيين, زي الثيوقراط - ويلصق كل مايعيب هذا المصطلح من عيوب ومصايب سببتها هذي الحقبة من الحكم بالدين في اليونان بالدين الإسلامي, لمجرد ان الإثنان هم الحكم بالدين, وتجهاهل تام لتعريف الحكم بالدين في الإسلام وغيرها من الاديان....
    وغيرها من المصطلحات التي تعج بالمشاكل لكل وجهة نظر مغايرة لها, ونسينا تمام ان نعرف مصطلحاتنا الخاصة بالإسلام, ولكن نريد توصيف الاسلام بالمصطلحات التاريخية

    ReplyDelete