Wednesday 1 June 2011

تسالى: وصل النقط لترى الصورة

برجاء أن تتحمل القراءة حتى النهاية، فالمقدمة أطول من الموضوع!

فى حوار مع إحدى السيدات حول دور المرأة فى التنمية من خلال العمل خارج و داخل المنزل، أشارت إلى أن الكثير من السيدات الأرامل و المطلقات يتعرضن لضياع حقوقهن المالية و الإجتماعية و أضافت "إضمنلى حقوقى و أنا أقعد بكرة من الشغل". كان هذا الحوار واحدا من كثير دارت جميعا حول سهولة إغتصاب حقوق المرأة فى مجتمع يسود فيه الجهل بحدود الله فى حق المرأة و يسود فيه الجهل بالقوانين المنظمة لهذه الحقوق و الأهم لا تسود فيه ثقافة التوثيق للممتلكات و البيانات الشخصية للأفراد.

منذ بضعة أشهر، تحدث معى أحد الأقارب، والذى يملك منزلاً فى حىّ شعبى يدر له دخلا شهريا متواضعا من إيجار الشقق. تحدث معى حول مشكلة أن أحد السكان قام بتزوير عقد إيجار تحت شروط قانون الإيجارات القديم و كم أن ذلك قد تسبب له فى خسارة جزء محترم من دخله الشهرى و أنه يريد المساعدة فى معرفة بعض المعلومات لمساعدة المحامى فى القضية لإستعادة حقه. قمت بالإتصال بأحد أصدقائى من ضباط المباحث و الذى أخبرنى أن هذا الرجل مسجل فى الشرطة كمزور و أن عليه بضعة أحكام تزوير! و من الغريب أنه بعد مرور شهور عديدة على هذا الحديث و هذه المعلومات، مازال المزور مقيما فى الشقة و مازال قريبى يجرى فى المحاكم.

فى حديث مع إحدى السيدات و التى تقوم بأعمال قص و تهذيب الشعر للنساء فى بيوتهن، عرضت موضوع بيع شقة تملكها لتتمكن من مساعدة إبنها على مصاريف الزواج، وقالت أن أحد المشترين عرض عليها دفع جزء من السعر على الفور على أن يسدد الباقى بعد مرور عام. و كانت نصيحتى لهذه السيدة أن لا تقبل العرض لأن فى حالة دخول المشترى الشقة و إقامته بها لن تستطيع بسهولة أن تحصل على باقى مستحقاتها المالية و لذلك فمن الأفضل لها أن تقبل بسعر أقل فورى على أن تقبل ببعض السعر فى المستقبل.

بالرجوع إلى القرآن الكريم، نجد أن أطول آيه فى القرآن تسمى "آية المكاتبة" فى أواخر سورة البقرة و تبدأ بقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمىً فاكتبوه ..." ثم تمر الآية بقوله تعالى: "... و لا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ..." و فى الآية التى تليها، يقول عز و جل: "... و لا تكتموا الشهادة و من يكتمها فإنه آثم قلبه ..."

ما هى العلاقة بين هذه المشاكل و بين الآية الكريمة و موضوعنا فى هذا المقال؟

إعتمدت الآيات السابقة فى حفظ الحقوق أساساً على شهادة الشهود و أن الشهود على علم بموضوع الدَين أو البيع كما أنهم على علم بأطراف الموضوع. بالطبع، مع إتساع رقعة المعاملات المالية و إتساع رقعة "التزوير و شهادة الزور" أصبح لازما وجود طرف آخر محايد تماما لحفظ هذة الحقوق أو مايسمى فى علم الإقتصاد بحقوق الملكية "Property Rights" فأنشأت الحكومات مكاتب الإشهار و التى تقوم مقام الشهود على العمليات التجارية و المالية. و لتغطية مصاريف هذه المؤسسات، أصبحت تحصل مصروفات إدارية للقيام بهذا العمل، الذى هو فى الأصل عمل تطوعى يقوم به أفراد فى المجتمع لخدمة باقى المجتمع " ... و لا يأب الشهداء إذا ما دعوا ...".

لقد أدى نظام "الشهر العقارى" إلى نزوح الكثير من الناس عن إشهار معاملاتهم لما يستلزم ذلك من دفع الرسوم و الإنتظار لوقت طويل للوصول إلى موظف الشهر العقارى. كما إستتبع ذلك ضياع الكثير من الحقوق و خصوصا على الضعاف من النساء و الأطفال و كبار السن و خاصة الفقراء وغير المتعلمين منهم و الذين يمثلون أغلب المجتمع المصرى! حتى أنه قيل أن اللجوء للقضاء يحتاج إلى "عمر نوح و صحة موسى و صبر أيوب و مال قارون"

الحلول لمثل هذه المشكلة، التى تمس حقوق الضعفاء و المساكين أساسا، كثيرة. أولها و أعلاها فى الأهمية على الإطلاق هو توعية و تعليم الناس بكيفية الحفاظ على الحقوق و خطورة شهادة الزور. و يتطلب ذلك تغليظ العقوبة المدنية على شهود الزور و كذلك نزع حق الشهادة أو التعامل بالعقود عن كل من يثبت عليه ما يسمى "بالجرائم المخلة بالشرف".

يستلزم ذلك من الدولة:
  1. تفعيل نظام الرقم القومى بحيث يمكن الكشف بسهولة من خلال المكاتب الحكومية عن الذمة المالية و "مستوى الشرف" لأى مواطن يقوم بالتعامل من خلال هذه المؤسسات بحيث لا يكتفى القاضى، مثلا، بأن يطلب من الشاهد أو المتهم أن يقول "و الله العظيم أقول الحق" بل يكشف على تاريخ مثوله أمام المحاكم و معملاته المالية و القضايا المرفوعة عليه فى المحاكم المختلفة قبل ان يقبل شهادته.
  2. نشر صورة من كل العقود المسجلة فى "الشهر العقارى" على شبكة المعلومات ليتمكن أى مواطن من التأكد من صحة العقود و المستندات بدون الحاجة للذهاب لمكاتب الشهر العقارى حيث تصبح هذه هى الوسيلة المناسبة "للإشهار" طبقا لمعطيات العصر
  3. نشر صورة من الأحكام الصادرة من كل المحاكم على شبكة المعلومات ذلك أن الأصل فى الأحكام القضائية هو الإشهار.
  4. توفير "المشهرين" بحيث يذهب الموظف المسؤول عن الإشهار إلى مكان عقد البيع أو المعاملة المالية المطلوب إشهارها أو إستبدال ذلك بتوفير موظفى الإشهار فى كل التجمعات، كالبنوك و المستشفيات و المحال التجارية الكبرى و جميع المصالح الحكومية و غير ذلك، لتسهيل عملية الإشهار على المواطنين و تخفيض رسوم الإشهار بحيث لا تكلف المواطن العادى ما يمثل إرهاقا ماليا
  5. تسريع عمليات التقاضى الخاصة بالمعاملات بحيث يتم إصدار الأحكام فى أكثر من 80% من القضايا فى نفس اليوم كما تتكفل المحكمة بتوفير قوة تنفيذية من الشرطة لتنفيذ الحكم فى غضون ما لا يزيد عن 24 ساعة من صدور الحكم و توفير سبل الشكوى للمواطنين، الذين تتأخر الأحكام القضائية الخاصة بهم أو تنفيذها، فى صورة جهاز مستقل يتعامل مع هذه الشكاوى بشفافية و فاعلية
لقد أجمع علماء الإقتصاد على أن توفر سبل الحماية لحقوق الملكية يؤدى بالضرورة إلى إرتفاع معدلات التعاملات التجارية و زيادة معدلات الناتج القومى فى أى دولة. و إن مصر فى هذه المرحلة لهى فى أشد الحاجة لكل ما يمثل فرصة لزيادة الناتج القومى و خاصة الذى يرتبط بالمعاملات المالية.

و الله الموفق
المجلس الأدنى لقوى الشعب الغلبانة

No comments:

Post a Comment