Sunday 19 June 2011

وظيفة و عروسة يا رب

التعليم العالى مرحلة من التعليم تتطلب فى أغلب دول العالم إنهاء مستوى معين من التعليم فى المدارس. فى معظم دول العالم ينقسم التعليم قبل الجامعى إلى إثنى عشر عاما. يتقدم خريج المدارس إلى الجامعات و التى تقبله وفق معايير تتغير من بلد إلى آخر ثم يقضى الطالب الجامعى فترة من التعليم تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات (لمعظم التخصصات) للحصول على الشهادة الجامعية.

أغلب الظن أنك، عزيزى قارئ هذا المقال، خريج إحدى الجامعات أو طالب فيها أو تخطط لدخول إحداها. لماذا تريد الحصول على الشهادة الجامعية؟

"علشان ألائى عروسة/عريس يقبلنى" (معقول)
للحصول على عمل ذو دخل مجزى (غالبا)
لأن هذا ما يريده أبى (ممكن)
للزيادة من العلم ("تبقى بتضحك عليا")

لنعود معا بالتاريخ إلى قرون مضت من تاريخ الحضارة الإنسانية حين كانت وسائل الإنتقال صعبة و الكتب من السلع النادرة، إن كانت موجودة على الإطلاق. كان بعض الناس مولعون بتحصيل العلوم كالفلسفة و الفلك و المنطق و الحساب و الفيزياء و الطب و غيرها من معارف البشرية. فكان هؤلاء يحزمون أمتعتهم و يذهبون إلى من اشتهر بالعلم فى أثينا أو الإسكندرية أو المدينة المنورة أو بغداد أو القاهرة أو الآسيتانه أو باريس أو لندن.

كان هؤلاء يطلبون العلم من العلماء فى أى مكان فيقضون شهوراً أو سنين يتعلمون منهم و كثيرا ما كانوا يرحلون بعد ذلك عائدين إلى بلادهم أو إلى بلد آخر ينشرون ما تعلموه و يستزيدون من العلم.

مع زيادة عدد سكان الأرض و إتساع رقعة الإمبراطوريات العظمى و سهولة الإنتقال، زاد عدد طلاب العلم و بدأوا فى التزاحم على العلماء فى بيوتهم و أماكن عملهم، فكان من الطبيعى أن يتغير شكل وسيلة نقل العلم. بدأ العلماء يجتمعون بطلابهم فى أماكن واسعة كالمساجد أو ساحات مخصصة لذلك فى المدن الكبرى. ثم أصبح التعلم على يد كبار العلماء مما يؤهل الطالب للعمل فى وظائف الدولة المتميزة كالقضاء و الإمارة و خزانة بيت المال.

مع الوقت أصبح من الضرورى للحصول على مثل هذه الوظائف أن يكون المتقدم لها قد حصل على حد أدنى من المعارف المتخصصة و بالتالى أصبح من الضرورى التأكد من ذلك، فقامت المعاهد العلمية بهذا الدور حيث يتقدم طالب العلم إليها و تتم متابعة إجتيازه للمراحل العلمية المطلوبة للتأهل للأعمال المختلفة.

مع الزيادة المستمرة فى أعداد طلاب العلم، و الذين بدأوا تدريجيا فى التحول إلى طلاب وظائف متميزة، اصبح من المربح الحصول على مصاريف تعليمية منهم و بالتالى أصبح التعليم العالى فرصة إستثمارية جيدة لأصحاب رؤوس الأموال. مع زيادة عدد المؤسسات التعليمية، أصبح من الضرورى أن تتنافس فى إجتذاب الطلاب إليها. فأصبحت الجامعات و المعاهد تتنافس أساساً بقدرة خريجيها على الحصول على فرص عمل ذات دخول مرتفعة.

أصبح من العادى فى بعض المجتمعات، كالمجتمع المصرى، أن يكون الشاب أو الفتاه المنتمى للطبقة المتوسطة خريج أحد الجامعات و قد يحجم بعضهم عن الزواج مِن مَن ليس على نفس المستوى التعليمى، بغض النظر عن إن كان متعلماً فى الحقيقة أو لا.

هكذا تحولت مؤسسات التعليم العالى من مؤسسات يطلبها طلاب العلم إلى مؤسسات يطلبها طلاب الوظائف أو الزيجات المتميزة!

دعنا لا نخدع أنفسنا إذا بالقول بأن الجامعات مؤسسات تعليمية، فإنها مؤسسات "تأهيلية" على أحسن تقدير.

الحقيقة أن هذا ليس هو موضوع المقال الأساسى! فإنى قد أردت فقط أن ألفت الأنظار إلى تطور أشكال التعليم العالى مع تطور البشرية و التكنولوجيا على مر العصور مشيرا إلى أن نظام التعليم العالى فى العالم يجب أن يمر بمرحلة تطور جديدة و عميقة لمواكبة التطور الذى لحق بكل أشكال الحياة فى العقود الماضية. لعل من أبرز أشكال التطور هو تطور شبكة الإتصالات و المعلومات فى العالم و التى مازالت تستخدم فى أغلب المؤسسات التعليمية على أنها وسيلة لنقل المعلومة المكتوبة أو تسجيلات المحاضرات و لم يتم تطوير نظام جديد بفلسفة تعليم جديدة يمكنها توظيف الإمكانات المتوفرة.

خلاصة القول، إن التعليم على كافة مستوياته يجب أن يشهد فى العقود القليلة القادمة "ثورة" على فلسفة التعليم التقليدية لتمكين طلاب العلم من التعلم مهما كان غرضهم من التعليم.

2 comments:

  1. يعني حضرتك مش مقتنع باي نظام تعليم جامعي في العالم ؟

    ReplyDelete
  2. أنا مقتنع أن "فلسفة التعليم" سوف تتغير قريبا و أحاول أن أبنى تصورا عن كيف ستكون و أستعد لعا

    ReplyDelete