Saturday 2 July 2011

التوازن و الثورة

تعريف الثورة يتناقض مع كل مبادئ التوازن و الإستقرار ... إنها ثورة

و لكن بعد الثورة يبدأ المجتمع فى إتخاذ الشكل الجديد الذى يسمح له بمحو أسباب الثورة و بناء نظام مستقر يرفع المجتمع إلى المستوى الذى تريده الأمه.

بعض الثورات تأتى بقوة سياسية واحدة تتغلب على باقى القوى و تؤسس دولة تضمن إستقرارها كما كان الحال فى مصر منذ عام 1952 و قد عشنا و لامسنا نتيجة ذلك. و إنه لجدير بالذكر أن لا ننسى النظام الشيوعى فى الإتحاد السوفيتى و الصين و النظام الدينى فى إيران و السعودية و النظم السورية و الليبية و اليمنية و غيرها من نظم "الرأى الواحد". لا يخفى على أحد أنه بإستثناء النظام الصينى، فإن كل النظم التى ذكرت هنا تتسم بعدم الإستقرار الداخلى و التى ستؤدى فى القريب أو البعيد إلى ثورة شعبية أو إنقلاب عسكرى يأتى بنظام جديد.

إذا نقلنا النظر إلى بعض من دول العالم المستقرة إلى حد كبير كالولايات المتحدة و المملكة المتحدة و اليابان و فرنسا و ألمانيا، فإنه من الملاحظ أن القوى السياسية التى تتنافس على الحكم من خلال الرئاسة و البرلمان هى إما قوتين أو ثلاثة فقط! عادة اليمين و اليسار و قد يظهر بعض الأحزاب الأخرى كالأحزاب المدافعة عن البيئة (عادة يسارية) أو الأحزاب ذات المرجعية الدينية و التى تنحاز عادة لليمين.

عندما تتعدد القوى السياسية، يكون ذلك، عادة، لأسباب دينية أو عرقية، كما هو الحال فى إسرائيل و لبنان و العراق. و كثيرا ما ينتج عن هذا التعدد، مع وجود الإختلاف العرقى أو الدينى، صراعات داخلية تؤدى إلى نشأة و إنهيار إئتلافات لأهداف سياسية مرحلية كتشكيل الحكومة بعد الإنتخابات أو الوقوف ضد قوة سياسية طاغية بغض النظر عن الأجندة السياسية.

من الطبيعى فى مصر أن تظهر حوالى أربع قوى سياسية تمثل التيارات الفكرية المختلفة:

1- التيار اليسارى و الذى ينادى بحقوق العمال و الفقراء عن طريق التأميم أو تملك الدولة لمقومات الإنتاج الأساسية على أساس أن الدولة هى المسؤول الأول عن توفير فرص العمل و عدالة توزيع الدخل القومى. و يجد هذا التيار صدى واسع فى أوساط العمال الصناعيين بالذات كما يؤيده الكثير من المنتمين إلى الطبقة "المثقفة" من الكتاب و الصحفيين و الناشطين السياسيين

2- التيار الرأسمالى و الذى يتبنى نظرية حرية التجارة و الصناعة و الزراعة للجميع و يتيح الفرصة لأصحاب رؤوس الأموال الوطنية و الأجنبية فى الإستثمار فى كافة المجالات. و يتيح هذا النظام للفقراء و محدودى الدخل الفرصة فى الحياة الكريمة عن طريق توفر فرص العمل فى المجتمع من خلال التزايد فى الإستثمارات كما يقدم خدمات صحية و تعليمية يتم تمويلها من الضرائب المفروضة على الأفراد و الشركات. و عادة ما يتبنى هذا الفكر أصحاب رؤوس الأموال و من يطمحون إلى ذلك كما يتبناها أصحاب المواهب المختلفة من مخترعين و مبدعين حيث يتيح لهم الخيال الخصب الرغبة فى تغيير الأوضاع الإجتماعية بسرعة

3- التيار الليبرالى و الذى يخرج من الأطر التقليدية لنظام الدولة و يقدم على تجربة الأفكار الجديدة فى السياسة و الإقتصاد و التعليم و غيرها من جوانب الحياة فى المجتمع. يميل هذا الإتجاه عادة إلى "التَهَوُّر" فى الإقدام على الأفكار الجديدة إلا أنه كثيرا ما يخرج بما لم يمكن أن يتصوره أى من أصحاب الأفكار الأخرى. عادة ما يميل إلى هذا الإتجاه الشباب من الطبقة المتوسطة و الذين ما يتسمون عادة بكونهم متعلمين و ذوى دخول متوسطة إلى مرتفعة نسبيا.

4- التيار الدينى و الذى يحمل أفكار مستوحاة من الدين و يبنى السياسات التى يتبناها على أساس لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية (فى مصر). يتسم هذا التيار عادة بإشكالات داخلية تنتج عن تبنى بعضها لمذاهب دينية مختلفة، و حينما يؤمن أى شخص بأن هذا الرأى أو ذاك من الشريعة يكون من الصعب جدا عليه تركه. و قد إتضح على مر السنوات الماضية و أصبح أكثر وضوحا فى الأسابيع الماضية فى مصر أن التيارات الدينية ذات توجهات مختلفة فمنها الوهابى (من يطلقون على أنفسهم إسم السلفيين) و منها الإخوانى (الذى كان و مازال أقوى التيارات الإسلامية فى مصر) و منها الصوفى و التبليغى و غيره. حين تتناظر هذه التيارات الدينية على الساحة السياسية يظهر بوضوح تباينها فى البرامج السياسية فالإخوان مثلا أصحاب مبادئ تميل للرأسمالية و الوهابيون يميلون إلى المبادئ الإشتراكية الوسطية (من الناحية السياسية) مع هذا التباين، تجد التيارات الدينية فى مصر قبول من كثير من المصريين حيث أن الشعب المصرى يتسم منذ القدم بميله للتدين

قد تختلف معى، عزيزى القارئ، فى كثير أو قليل مما ذكرت، كما قد يكون قد خاننى التعبير أو حتى العلم فى نقطة أو أكثر! لكن بعد هذه المقدمة أريد أن أطرح نقطة جوهرية حول مستقبل الإستقرار فى مصر!

من الواضح أن مصر ليست ذات صبغة سياسية واحدة، بالرغم من إعترافى الكامل بقوة الإتجاهات السياسية ذات المرجعية الدينية. و كما هو واضح فإن النموذج المستقر للدول المتقدمة يظهر فيه غالبا قوتان سياسيتان تتنافسان و تتعاقبان على الحكم. أما الحال فى مصر فلا يمكن، فى القريب العاجل على الأقل، إختزاله فى قوتين فقط! و لا أعتقد أن النموذج اللبنانى أو العراقى أو حتى الإسرائيلى (سياسيا فقط) هى من النماذج التى نريد أن نرى مصر تعيش عليها.

من هنا أرى أنه من الواجب على المصريين الذين لا يتبنون أى من الأيديولوجيات (الإتجاهات السياسية) بشكل كامل أن يصبحو هم كفة الميزان التى تحافظ على التوازن السياسى! "ما تفهمنيش غلط ... أنا ما أقصدش أنك تصبح منافق"

إنه من مصلحة مصر فى المرحلة القادمة، و التى سوف تمتد من خمس إلى عشر سنوات، أن لا تنفرد إحدى القوى السياسية بالقدرة المطلقة على ساحة الحكم. فإنه من المؤكد أنه إن انفردت إحدى هذه القوى فسوف تقوم بتشكيل النظام السياسى بالشكل الذى يضمن لها البقاء فى الحكم و الذى، بالتأكيد، سيولد درجة من الإحتقان فى المجتمع ستؤدى إلى ثورة أخرى فى خلال بضعة عقود (كما حدث مع ثورة 1952).

على الجانب الآخر، إذا تمكنت كل التيارات من التأثير فى تشكيل النظام الجديد فسيؤدى ذلك إلى نظام حر و مرن و مقبول من كافة التيارات و التى ستقبل النظام حتى لو لم يكن من نفس الإتجاه السياسى لأنها تعترف بالطريقة التى أتى بها للحكم، أو ما يسمى فى النظام الحالى بالديموقراطية، و تعلم أن لها نفس الفرصة فى الوصول للحكم.

لعله من المقبول أن لا تصبح لأى من التيارات السياسية قوة تزيد عن ثلث أعضاء البرلمان لضمان ذلك التوازن فهى لن تستطيع تمرير القوانين بدون التشاور مع الإتجاهات الأخرى كما أنها لن تستطيع سحب الثقة من الحكومة بدون موافقة تيارات سياسية أخرى و الأهم من ذلك أنها لن تنفرد بصياغة الدستور الجديد.

لعلى قد أطلت عليكم بهذه الخواطر، و لكن لابد أن تكتمل الصورة لنتمكن من رؤية الحقيقة كاملة. 


"موش كده و لّا إيه"

5 comments:

  1. ولا ايه
    ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الا اياه
    قال الله
    "الا له الخلق والامر"فتبارك الله رب العالمين
    سلم الخلق اجمعين "الا المجانين" ان الخلق لله
    ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله
    ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله
    اما ان يسلمو بان الامر لله فلا يستطيعون لماذا؟
    الم تسأل في يوم من الايام لما
    لانهم ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا
    لانهم إتخذوا الاههم هواهم فصدهم عن السبيل
    واذكرك بحديث رسول الله حين خط خطا طويلا وخط منه خطوطا صغيرة فقال هذا سبيل الله وهذا سبيل الشيطان فلا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله
    واخيرا اقول كما قال الله تعالى
    "افحكم الجاهلية يبغون فمن احسن من الله حكما لقوم يؤمنون" هذا واسأل الله ان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعة وانتم وسائر الصالحين

    ReplyDelete
  2. هل إدعى أحد أنى أرفض حكم الله؟
    الحكم لله فى القطعيات و أما ما تركه الله لنا بدون أوامر أو نواهى قطعية فلنا الحق أن نذهب فيه أى مذهب

    إن رأى بعض الأئمة حينما يتعارض مع البعض الآخر يفتح للأمة مجال الإجتهاد و العمل بقوله تعالى "أنتم أعلم بامور دنياكم"

    و عندما يتفق الأئمة يصبح الأمر قطعيا لا أخذ فيه و لا رد

    ReplyDelete
  3. ان الامور التي فيها احكام قطعية لا خلاف عليها وانا لا اشك لحظة في انك دكتور محترم تحترم الدين اكثر من احترامك لاي شئ اخر
    ولكن ......هذاعندما يكون الامريتصادم مع امر من امور الشريعة فاننا لا بد من ان نرجع الى اهل العلم هل لنا في ذلك مخرجا فان قالوا لنا ان هذة الامور لا علاقة لها من قريب او بعيد بالشريعة وانا اشك في ان يكون هناك شئ من هذه الامور فحينها نتوكل على الله ونعمل ونجد كما قال الله تعالى وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون
    وحين نقول ان الاسلام بصفة خاصة قد بين فية الله كل شئ حيث قال "تبيانا لكل شئ" " وما من شئ الا وقد بينه الله للناس لما لا وهو الذي خلق كل شئوعالم بكل شئ واخبرنا عن كل ما يصلح الله به شان العباد فلو سلمنا كما سلم سابقونا لسبقنا من ينافسوناولكننا اخلدنا الى الارض واتبعنا اهوائنا
    خذ مثالا فبالمثال يتضح المقال

    ReplyDelete
  4. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  5. فلو فرضنا ان رجلا اخترع طائرة بنظام دقيق وقد سن لها شروطا لكي يتم التعامل معها وتظل تعمل تحت هذة الظروف المحيطةبها لتعطي افضل النتائج
    ثم جاء رجل نظر الى الطائرة بعين متفحص ثم قال: ان الشروط التي وضعتها لا تصلح لهذة الطائرة
    فما سيكون رد صانع الطائرة.تخيل معي
    اولا اما ان يكون هذا المعترض على القوانين التي وضعت للطائرة خبيرا اعلم من صانع الطائرة نفسه
    ثانيا : واما ان يكون مساو له في العلم بهذة الطائرة
    ثالثا :واما ان يكون اقل منه في العلم حقيرا ليس له ادني فكرة عن اصل الطيران
    فمن نحن من هؤلاء الثلاثة مع من صنعنا وسن لنا السنن في كل شئ حتى دخول الخلاء او الخروج منه او اللبس
    وخلاصة القول ان الرسول حين قال انتم اعلم بامر دنياكم كان قوله لا تلقحوا النخل ضرب من الظن وهذ الحديث:
    "عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: مررت مع رسول الله ‏‎‎‏ بقوم على رءوس النخل، فقال:
    «ما يصنع هؤلاء؟». فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح. ‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    «ما أظن يُغني ذلك شيئاً».
    قال فأُخبروا بذلك فتركوه. فأُخبر رسول الله ‏‎‎‏ بذلك، فقال:
    «إن كان ينفعهم ذلك ‏فليصنعوه. فإني إنما ظننت ظناً.
    فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل».‏
    ولما لا والله اعلم بامور دنيانا
    ومن احسن من الله حكما لقوم يؤمنون

    ReplyDelete