Thursday, 5 April 2012

الأزهر - قلب القدرة الناعمة لمصر

القدرة الناعمة مصطلح يشير إلى قدرة الدولة على التأثير فى سياسة الدول الأخرى عن طريق التأثير فى الثقافة و الرأى العام بدون اللجوء إلى القدرة العسكرية أو الإقتصادية بشكل مباشر

إجتماع القدرة الناعمة و القدرة العسكرية و الإقتصادية يمثل ما يسمى بالقدرة الذكية حيث تستخدم القدرات المختلفة فى إطار الخطة الإستراتيجية للدولة للتأثير فى قرارات الدول الأخرى لتتناسب مع الأهداف العامة للدولة المستخدمة للقدرة الذكية

من الواضح أن القدرة العسكرية لمصر محدودة فى إطار الوضع العالمى الحالى كما أن التأثير الإقتصادى، مع أهميته العالمية، لا يضع مصر فى مصاف الدول ذات القدرة المؤثرة. كذلك، فإن تنمية القدرات العسكرية سيمثل تهديد مباشر لإسرائيل و الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط مما سيثير، بالتأكيد، سياسات عدائية ضد مصر فى المرحلة الحرجة التى يمر بها الشرق الأوسط و العالم الآن و لمدة ستمتد من 10 إلى 20 سنة فى المستقبل. مع الأخذ فى الإعتبار الأزمة الإقتصادية التى تمر بها مصر، فإن تنمية القدرة الإقتصادية سوف يحتاج إلى 10 سنوات على الأقل لتستعيد مصر قدراتها و تأثيرها فى الإقتصاد الإقليمى و العالمى.

من هنا وجب الإنتباهه للقدرة الناعمة لمصر. لمصر مركز مهم فى الثقافة العالمية و الإسلامية خصوصا. كما أن للتاريخ المصرى القديم و المعاصر بصمات على تاريخ و ثقافة العالم لا يمكن الإستهانة به. كذلك فقد كانت مصر على مدار القرون الماضية مركزا للثقافة الإسلامية و إنتشارها فى العالم عن طريق المركز التاريخى للأزهر منذ إنشائه منذ أكثر من ألف عام.

بدأ التراجع فى تأثير الأزهر العالمى و المحلى منذ أن تولى محمد على باشا حكم مصر مرفوعا على أكتاف المماليك و الأزهر ممثلان للقوة العسكرية المحلية و التأثير النفسى و الثقافى. بعد أن تخلص محمد على من المماليك فى مذبحة القلعة الشهيرة لم يصبح له منافس فى الساحة السياسية المصرية إلا الأزهر، فعمد إلى تخفيف التأثير الأزهرى فى مصر عن طريق توسيع القدرة العسكرية و السياسية الخارجية مصحوبة بإنفتاح محدود على الثقافة الأوروبية التى ترفض التدخل الدينى فى الشؤون السياسية كما أنها تحمل ضغائن تاريخية موروثة ضد الثقافة الإسلامية بالخصوص.

تحت حكم أسرة محمد على و على مدار أكثر من قرن، عمدت السلطات المحلية فى مصر على تقليل نفوذ الأزهر عن طريق توسيع تأثير الثقافة الأوروبية و فصل التعليم "المدنى" عن التعليم "الدينى" و المفاضلة بينهما فى الوظائف الحكومية و غيرها.

بعد ثورة 1952 و التى قامت على أكتاف الجيش و الإخوان المسلمين، إتخذت الحكومة سياسة عمدت إلى تغريب الثقافة مع التقليل المتعمد من شأن الرموز الدينية متمثلة فى الأزهر و الأزهريين. أدى ذلك إلى إمتداد فراغ ثقافى فى المجتمع نشأ من الإرتياط الدينى من قبل الأغلبية المسلمة فى مصر و من عدم وجود الثقل الكافى للأزهر و العلماء المنتمين له. أدى ذلك إلى نشوء و تطور حركات متطرفة على الساحة الإجتماعية و السياسية مدفوعة بالفقر و الجهل الدينى كحركة الجهاد و التكفير و الهجرة. كما أدى ذلك إلى الإمتصاص السريع للمجتمع لفلسفات إسلامية غير متناسبة مع الواقع التاريخى و الثقافى للبلاد كفلسفة الحركة الوهابية.

من هنا وجب الإلتفات للأزهر كوسيلة أساسية لإعادة الثقافة الدينية المعتدلة و ملئ الفراغ الثقافى و الحفاظ على الهوية التاريخية و الثقافية المصرية المسلمة. كذلك، فإن التأثير القوى للأزهر على الساحة العالمية سوف يمكن مصر من خلق القدرة الناعمة اللازمة لها للتأثير فى مجريات السياسة الدولية على صعيد الدول الإسلامية و العالمية على حد سواء.

مع الإهتمام بالقدرات الثقافية المصرية بشكل عام، سيمكن الأزهر مصر من الوصول إلى قلوب دول العالم بأسرع وقت و أقل تكلفة. لتحقيق ذلك تحتاج الدولة لتغيير سياساتها تجاه الأزهر بالشكل التالى:
  • تغيير القوانين المنظمة لعمل الأزهر و إعطائه الحرية الكاملة و على رأسها إختيار شيخ الأزهر
  • تحويل التمويل فى مجال الدعوة (حوالى 2 مليار جنيه) من وزارة الأوقاف إلى الأزهر ليتحمل الأزهر مسؤوليته الدينية و الدعوية التى هى مركز وجوده من الأصل
  • تحويل الإشراف على المساجد من وزارة الأوقاف إلى الأزهر بحيث يوفر الأزهر العلماء و الدعاة و الخطباء اللازمين لتعليم الشعب و توعيته على مبادء الإسلام من منطلق الثقافة المعتدلة المتعددة المذاهب
  • تشجيع الإلتحاق بالتعليم الأزهرى عن طريق توفير نصيب وافر من فرص العمل و مستويات الدخل للخريجين
  • توسيع قدرات الأزهر على إستيعاب الدارسين الأجانب فى كل المستويات الدراسية لخلق إنتماء عالمى للثقافة الأزهرية
  • تمويل إنشاء فروع لجامعة الأزهر فى الدول الفقيرة، و خاصة الأفريقية، لخلق تأثير عميق فى الثقافات المحلية و فتح أسواق تجارية للمنتجات المصرية التى تتناسب مع الدخول المتدنية فى الدول الفقيرة
  • تشجيع الدول الغنية على فتح فروع للأزهر على أرضها كوسيلة أكيدة لمجابهة المد الثقافى الوهابى و الشيعى بين المسلمين فى هذه الدول
  • التأكيد على دور الأزهر الدولى فى تخفيف آثار الفقر و المرض عن طريق دعم الجهود التطوعية تحت مظلة الأزهر فى الدول التى تحتاج لمثل هذه الخدمات مما سيزيد من كفاءة القدرة الثقافية، و بالتالى السياسية لمصر فى هذه الدول

هذه مجموعة من الخواطر المرتبطة بالأزهر و أهميته الإستراتيجية بالنسبة لمصر و دورها العالمى فى المرحلة القادمة. أرجو أن تجد صدى عند القارئ و عند أصحاب القرار السياسى و الإقتصادى فى مصر.

No comments:

Post a Comment