Monday, 4 November 2013

الثقافات المصرية


المجتمع المصرى لا يتسم، كما يظن البعض، بالتجانس الثقافى! سأعرض هنا أربع أنواع من الثقافات المنتشرة فى المجتمع المصرى من منظور يعتمد على الاحتكاك بقطاعات مختلفة فيه. "الثقافة الحاكمة" فى مصر هى الثقافة التى تسيطر على وسائل الاعلام! تلك الثقافة تتميز بالتمرد القوى ضد التقاليد "الريفية" كما تنظر بكثير من الاعجاب لما يسود العالم من ثقافة التحرر الاجتماعى و الاقتصادى. و ليس فى هذا، بشكل عام، أى نوع من التشكيك فى النوايا أو التعريض كما يدعى البعض، و انما هى وجهة نظر بها من المزايا التى تهدف الى رفع المستوى الاقتصادى و العلمى و الثقافى للمجتمع بغرض تحقيق الاستقرار و الرخاء، كما أن هذه الثقافة تحمل عيبا أساسيا فى طياتها يتمثل فى التجاهل و الإقلال من شأن الثقافات الأخرى فى المجتمع.

تتسم هذه الثقافة أيضا بالتمسك بفكرة فصل الدولة عن الدين و التى تتفاوت الأصوات المنادية بها من الطرد الكامل لأحكام الدين من النظام التشريعى للدولة مرورا باحترام الدين مع تقبل احكامه فى حدود الأمور الشخصية، كالزواج و الميراث فقط، و وصولا إلى قبول الاحتكام الى الأوامر الشرعية المختلفة، باعتبار أن الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، مع "الخوف" من تسلط قوى دينية تحكم بإسم الدين على نهج إيران و السعودية و افغانستان.

تنتشر فى مصر كذلك ثقافة "الإلتزام الأخلاقى"! يرى أصحاب هذه الثقافة أهمية الإلتزام بالأصول الأخلاقية و الثقافية للمجتمع المصرى و التى تمثل انعكاسا للميول المتدينة لهذا المجتمع مع القبول للأفكار "المستوردة" بعد "تنقيتها" للمساعدة فى تطوير المجتمع و الرفع من مستويات الاستقرار و الرخاء. يتميز أصحاب هذه الثقافة بارتفاع مستوى التعليم "الأكاديمى" و انخفاض مستوى التأثير الإجتماعى و انتمائهم الإقتصادى، غالبا، للطبقة "الوسطى الميسورة". تتركز هذه الثقافة "جغرافيا" فى المدن كما أن لها تأثير قوى فى المناطق الريفية بحكم الصلات العائلية، و لكن هذا التأثير محدود بعدم امتلاك أصحاب هذه الثقافة القدرات المالية و الاعلامية التى تتيح لهم التأثير الفعال فى الطبقات المختلفة فى المجتمع.

يرفض أصحاب هذه الثقافة مبدأ فصل الدولة عن الدين، بشكل عام، مع اشتراكهم مع "الثقافة الحاكمة" فى التخوف من تحول النظام الحاكم إلى نظام "حكم رجال الدين". يتميز أصحاب هذه الثقافة بصعوبة التأثير فيهم من قبل الأدوات الإعلامية "للثقافة الحاكمة" كما يتميزون بالمرونة فى التعامل مع المستجدات الثقافية مع عدم القبول الكامل لكل ما يعرض عليهم من الثقافات الأخرى. كما يعيب أصحاب هذه الثقافة، فى كثير من الأحوال، الميل للنظر إلى أصحاب الثقافات الأخرى بنظرة استعلاء.

أما الثقافة الثالثة التى تنتشر فى المجتمع المصرى فهى ما يمكن تسميته "بالثقافة المحافظة". يميل أصحاب هذه الثقافة إلى الالتزام التام بمبادئ ثقافية ذات توجهات دينية، كما يؤمنون بأن هذا الالتزام هو أحسن وسيلة للوصول إلى مجتمع "فاضل" ينعم فيه الجميع بالاستقرار و الرخاء و السعادة. تتميز هذه الثقافة بالتأثر البالغ بالمذاهب الدينية "الظاهرية" و التمرد المعلن على المذاهب الدينية المنتشرة فى المجتمع المصرى بشكل عام و على الثقافة الصوفية للمجتمع بشكل خاص. ينتشر اصحاب هذه الثقافة فى جميع طبقات المجتمع مع قلة الأعداد و التميز الواضح فى المظهر. لأصحاب هذه الثقافة تأثير قوى فى السلوك العام للمجتمع من خلال شبكة إعلامية متوسطة القوة و من خلال التواجد المكثف فى المحافل الدينية مما يعطى أصحابها مصداقية عالية بين الكثير من الناس.

يمتاز أصحاب هذه الثقافة بالدفاع المستميت عنها و بالالتزام بعدم الاطلاع على ما تعرض له الثقافات الاخرى. ينادى أصحاب هذه الثقافة بقيام نظام حكم على أساس من المرجعية الدينية، و ان كانوا لا يعترفون بعصمة للعلماء إلا أنهم يؤمنون بشكل شبه كامل بصحة ما يراه العلماء المنتمون لنفس الثقافة. لا يمكن التغاضى عن الميزة الأساسية فى هذه الثقافة من أنها تمثل "المرساة" التى تمنع المجتمع من الجنوح فى طريق رفض الدين بشكل عام و خلق التوازن أمام التطرف، الآخر، فى طريق التغريب و الاستيراد "الغير مرشد" لمبادئ الثقافات الأخرى.

أما الثقافة الرابعة فى المجتمع المصرى فيمكن تسميتها "بالثقافة البسيطة"!!! لا يؤمن أصحاب هذه الثقافة "بالثقافة الحاكمة" مع نظرهم اليها بإعجاب كما أنهم يحترمون اصحاب "ثقافة الالتزام الأخلاقى" و يعتبرونهم من "خيرة العقول" كذلك فإنهم يميلون إلى أصحاب "الثقافة المحافظة" بحكم الطبيعة المتدينة للمجتمع المصرى. مع ذلك، لأصحاب هذه الثقافة سمات تميزهم عن أصحاب الثقافات الأخرى، من هذه المميزات هو الالتزام الواضح بالانتماء "للجماعة"، العائلة و القرية و القبيلة، و الذى يستتبع الاحترام و الاتباع لتوجيهات "الرموز" الموجودة بهذه الجماعة، العمدة و الجد و الشيخ، مع التحيز الشديد لهذه الجماعات أو الرموز فى كل الخلافات أو الصراعات. تسود هذه الثقافة المجتمع المصرى بشكل عام و خاصة فى المناطق الريفية و الصحراوية.

تمثل هذه الثقافة القطاع الأعرض فى المجتمع المصرى. كما انها العقبة الكؤود فى طريق التطبيق الديموقراطى فى مصر! ينتمى أكثر أهل هذه الثقافة إلى فئات المزارعين و الفلاحين. يتفاعل أهل هذه الثقافة مع العملية الديموقراطية من وجهة نظر مرجعيتها الأساسية هى الإنتماء للجماعة، كما أنهم يتقدمون للمشاركة فيها بناء على "توصيات" الرموز. كما يتميزون بالرفض العام للتغيير و الركون للاستقرار و الأمن الذان يأتيان مع بقاء الأمر الواقع. كذلك، فإن تأثير أدوات "الثقافة الحاكمة"، من أجهزة اعلام و صحف، يكون كبيرا على تكوين الرأى العام لأهل هذه الثقافة.

تتفاعل هذه الثقافات الأربع فى المجتمع المصرى و لكنها لا تختلط بشكل متجانس. ينتج عن هذا المزيج ما يمكن أن نطلق عليه اسم الثقافة المصرية. على مدى العقود الماضية، منذ خمسينيات القرن العشرين، حاولت الحكومات المتعاقبة فرض ثقافة متجانسة على المجتمع المصرى من خلال البرامج التعليمية و اجهزة الاعلام و الصحافة. بالرغم من ذلك، استمر التباين بين هذه الثقافات مع عدم وجود خطوط واضحة للحد بينها، ذلك ان المجتمع المصرى يتسم بالتجانس العرقى و اللغوى و الدينى مما لم يسمح بخلق هذه الحدود و لا بذوبان الثقافات بعضها فى الآخر.

خلق هذا التباين القائم بين الثقافات المصرية واقعا صعبا فى المجال السياسى، سوف يكون موضوع آخر نعرضه قريبا ان شاء الله.

Saturday, 12 October 2013

الحرية

 

ذكرنا، فيما سبق، أن الحرية هى الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الأمن و الاستقرار السياسى و الرخاء الاقتصادى.

كما اكدنا ان الحرية تحتاج الى نظام قضائى محكم و ناجز لتمكين كل فرد فى المجتمع من الحفاظ على حريته. كما اظهرنا ان الوعى هو السمة التى يحتاجها المجتمع لقبول القضاء و تنمية الحرية.

كذلك، فقد وجبت الإشارة إلى أن هناك، على الأقل، فئتين معارضتين للسير فى طريق الحرية، الأولى هى التى ترى أن النظم الاستبدادية هى الأصلح، ذلك أنها أقدر على "فرض" الاستقرار و من ثم الوصول إلى الأمن و الرخاء و الحفاظ على هذه المقومات لفترات طويلة. أما الثانية، فهى الفئة المتضررة مباشرة من السير فى طريق الحرية للوصول إلى الأمن و الاستقرار و الرخاء ذلك أن تلك الفئة، و هى تمثل أغلب المجتمعات الفقيرة، لا صبر لها على نقص الموارد الأساسية للحياة من غذاء و كساء و مأوى.

كما يجب أن اذكركم بأن كل ما سبق و ما هو آت لا يعد إلا رأى شخصى يحتمل الخطأ كما يحتمل الصواب.

من هنا أصبح من الضرورى الوصول الى "اسلوب لإتخاذ القرار" (استراتيجية) السياسى يهدف إلى الوصول للحرية بأقل مقاومة ممكنة من تلك الفئتين!

تلك الاستراتيجية يجب أن تبنى على عمادين رئيسيين، الأول إقناع المعارضين أن الهدف سيكون ذو فوائد كبيرة لهم و الثانى تقليل الأضرار الواقعة عليهم أثناء السعى للحصول على الحرية.

من الضرورى إذا أن نقوم بتعريف الحرية بشكل يمكن لنا قياسه حتى نتمكن من تقدير مدى تحقيقه كهدف!

كلمة الحرية كلمة "مطاطة" تحتمل الكثير من المعانى و يمكن التلاعب بها بسهولة، لذلك، دعنا نتعرف على بعض تلك المعانى قبل أن نضع التعريف الذى يمكننا أن نقيسه و نضعه هدفا للاستراتيجية المنشودة. أبسط تعريف للحرية الشخصية يمكن أن يكون "قدرتك على اتخاذ القرارات التى تؤثر فى حياتك من خلال الظروف المفروضة فى البيئة المحيطة". يتميز هذا التعريف بتوضيح مدى قدرة القرارات الشخصية من حيث انها ثؤثر فى حياتك و لكن لا تتحكم فيها و من حيث ان الظروف المحيطة تفرض على الانسان و لا قدرة له عليها. قد يظن البعض ان هذا التعريف به درجة عالية من "القدرية"، و لكن عند التمعن فيه نرى أن قدرتك على اتخاذ القرار فيما تفعله أو تقوله أو تفكر فيه "انت" هى القدرة المطلقة لأى انسان و لكن مدى تأثير هذا الفعل أو القول أو التفكير محدودة بالبيئة المحيطة. 

مثلا: يمكنك أن تذهب إلى صندوق الانتخابات للإدلاء بصوتك لصالح مرشح دون الآخر (تأثير حر) و لكن نتيجة الانتخابات سوف تعتمد على كمية الأصوات، مجتمعة، التى يحصل عليها هذا المرشح أو ذاك (الظروف المفروضة). مثال آخر: عندما تفرض الظروف المحيطة بك أن تساق إلى الصحراء و يوضع حجر كبير على صدرك بسبب إيمانك بدين أو فلسفة فتلك ظروف مفروضة بسبب قرار اتخذته انت، و يمكنك ان تتخذ قرارا آخر بعد فرض تلك الظروف بأن تستمر على إيمانك أو تكفر به مما سيستتبع نتائج أخرى تفرضها الظروف المحيطة؛ تذكر تعريف الوعى بأنه "المعرفة بأسباب الأمور و نتائج الأعمال". و كل تلك الظروف لا تنفى حريتك فى اتخاذ القرار كما لا تنفى مسؤوليتك عن النتائج "الطبيعية" لهذا القرار.

كذلك، فإنه يمكننا تعريف الحرية على المستوى الاجتماعى بأنها "القدرة على اتخاذ القرارات فى كيفية السعى لكسب الرزق و اختيار المسكن و التنقل بما يسمح به القانون (التشريع) داخل المجتمع". هذا التعريف للحرية يتميز بأنه تعريف "مقيد" و ليس "مطلق" كالتعريف السابق، ذلك أن حريتك فى المجتمع تحتاج إلى الضوابط التى تسمح لتلك الحرية أن لا تتعارض مع مصالح المجتمع ككل أو بمصالح الأفراد المشاركين فى المجتمع. مثال: فى أى مجتمع متحضر تجتمع القوة المجتمعية لمنع الفرد من "كسب الرزق" عن طريق سرقة ممتلكات الآخرين. كذلك فإن هذا التعريف يشير صراحة إلى أن قوة القانون محدودة بحدود المجتمع!

مع ذلك، فإن التعريف السابق يتيح لنا القدرة على قياس مدى الحرية فى المجتمع. فإن المجتمعات التى تتيح لفرد أو لمجموعة أو للحكومة أن تفرض أعمالا بذاتها على أفراد فى المجتمع، سواء أعمال بأجر أو بدون أجر، تعد مجتمعاتا مقيدة للحرية الشخصية. كما أن المجتمعات التى تتيح لجميع افراد المجتمع، بدون أى تمييز، حرية التنقل و اختيار المسكن، بدون التعدى على الممتلكات الشخصية للآخرين، تعد مجتمعاتا ذات درجة عالية من الحرية. بل و يمكن ادراج المجتمعات التى "تساعد" الأفراد فى تحقيق رغباتهم (فى تغيير نوعية العمل، مثلا، عن طريق توفير وسائل التدريب المهنى أو تسهيل الحصول على القروض،) و وصف تلك المجتمعات بأنها "تشجع على ممارسة الحرية الشخصية".

نأتى لتعريف آخر للحرية، و هو "القدرة على تكوين المنظمات السياسية و عرض الرؤى السياسية و تولى، كفرد أو كمؤسسة، المناصب السياسة بطرق سلمية". يستثى هذا التعريف كل الوسائل التى تعتمد، فى فرض الرؤية أو تولى المناصب، على القوة العسكرية أو المدنية، كالميليشيات أو الجريمة المنظمة. يمكننا تسمية هذا التعريف بالحرية السياسية. يمكننا أن نقيس مدى الحرية فى المجتمع من خلال هذا التعريف عن طريق مدى صعوبة تأسيس الأحزاب أو المنظمات السياسية و درجة القمع التى تمارس على أعضاء مثل هذه التنظيمات. كما يمكن قياس مدى الحرية من خلال القدرة على عرض و مناقشة الأفكار السياسية فى المحافل العامة، الصحافة و التليفزيون و شبكة المعلومات الدولية و التظاهر، كما يمكن قياسها بقدرة الأفراد و المؤسسات السياسية على الوصول إلى المناصب السياسية الفعالة بل و يمكن قياسها بكمية المناصب المتاحة لجميع الأفراد و المؤسسات دون تمييز.

للتلخيص، فقد قدمنا فى هذا المقال ثلاث تعريفات للحرية أحدها مطلق لا يمكن قياسه و الآخران يمكن قياسهما أو على الأقل قياس بعض جوانبهما. لكيلا ننسى، الهدف مما عرضنا حتى الآن هو الوصول إلى تعريف للحرية يمكن قياسه حتى نبنى اسلوب لاتخاذ القرار (استراتيجية) يمكننا من اقناع أغلب فئات المجتمع بأن تتبنى طريق الحرية للوصول إلى الأمن و الاستقرار السياسى و الرخاء الاقتصادى.

و للحديث بقية

حرية ... عدالة ... وعى

 

لمن لا يعرفنى، انا معلم! مهمتى فى الحياة أن أعلم من حولى ما علمنى الله ...

و المعلم الذى يبغى أن يخلق اجيالا من الشباب المتعلم، يطرح اسئلة كما يشير الى إجابات و يوضح حقائق! و قد تكون الأسئلة هى أهم عناصر التعليم، ذلك لأنها تحث على البحث عن الحقائق و تشكيل الآراء ... أما عرض وجهة النظر، الخاصة بالمعلم، فيحث على التراخى و قول: "هكذا قال معلمنا" بدلا من: "هذا رأيى و الله أعلم"

من المهام التى يجب ان اقوم بها كمعلم هى أن اوضح الفرق بين الرأى و الحقيقة! و كل ما قرأت حتى الآن رأى! و كل ما ستقرأه هنا رأى ... و الحقيقة هى أن الرأى يحتمل الصواب و يحتمل الخطأ ... مع ذلك تذكر دائما أن ما لا يؤخذ كله لا يترك كله.

كل من يتكلم هذه الأيام فى امور السياسة يبتغى لمصر الأمن و الرخاء الاقتصادى و الاستقرار السياسى ... و اغلب الناس، و انا منهم، يرى ان هذا هو المبتغى الرئيسى لأى مواطن و أى حكومة ... بل يمكن لنا أن نعمم و نقول أن هذه الأهداف هى السبب الرئيسى لخلق فكرة الدولة بشكل عام.

من هنا نبدأ فى الإتجاهات السياسية ... يختلف الناس على كيفية الوصول للأمن و الاستقرار السياسى و الرخاء الاقتصادى ... البعض يسعى للشمولية و البعض يسعى للديموقراطية و البعض يسعى للفاشية و و و و ... المهم أن الهدف واحد! المهم ان الجميع متفقون فى الأصل و إنما الاختلاف فى الفروع.

انتهى هنا دورى كمعلم، و يبدأى دورى كصاحب رأى!

الحرية تحقق الاستقرار السياسى و تحقق الرخاء الاقتصادى و تحقق الأمن! و مع ذلك، فإنه ليس بالضرورة أن يأتى الأمن و الاستقرار السياسى و الرخاء الاقتصادى عن طريق الحرية!!!

كثير من النظم الاستبدادية مستقرة سياسيا، ولو إلى حين، و الكثير و الكثير يعيش فى رخاء اقتصادى، و اكثرها يعيش فى أمان إلى حد كبير. مع ذلك، فإنها جميعا تشترك فى قمع الحريات و قطع الألسنة و فرض الرأى.

مع ذلك، فإن جموع الناس لا صبر لها على طريق الحرية ... للوصول الى الأمن و الرخاء و الاستقرار من خلال طريق الحرية، يجب أن يمر المجتمع بمصاعب كبيرة و عقبات يفرضها الواقع الاجتماعى الذى يستفيد من الاستقرار "الظاهرى" الذى توفره النظم الاستبدادية. كما ان السعى فى طريق الحرية يهدد مصالح الكثير من المواطنين "العاديين" و "اصحاب النفوذ"، و الذين سيقومون "بشكل طبيعى" برفض و عرقلة و تعطيل هذا السعى.

دعنى هنا اذكرك بحقيقتين غاية فى الأهمية، أولا ما أقوله حتى الآن هو رأيى و قد ينطبق على بلدى، مصر، و على كثير من دول العالم و قد يكون مخالفا للصواب تماما. ثانيا، النظم الاستبدادية و من يسعون لفرضها ليسوا بالضرورة متعمدون للإفساد، و إنما الكثير منهم، و قد يكون أغلبهم، مؤمنون تماما بأن هذا هو الطريق الأمثل للأمن و الاستقرار و الرخاء، و بالتالى لا يمكن وصفهم "بالشر" أو "النفاق" و ما إلى ذلك.

نعود للحديث عن الحرية! ذكرت فيما سبق أن جموع الناس لا صبر لها على طريق الحرية لعدة أسباب ... من أهم هذه الأسباب ان المجتمعات الفقيرة تسعى فى الأصل الى "أكل العيش" أو السعى لتوفير الغذاء و الكساء و المأوى، و هذا سعى طبيعى لا يمكن ان تلوم فيه أحدا. و عندما يفتقر المواطن لهذه العناصر، أو أحدها، قد لا يلقى بالا للوسائل التى تمكنه من الحصول عليها لأنها من مقومات "الحياة" التى لا يمكن إرجاؤها لسنين أو أيام أو حتى ساعات! بل قد يقاتل المواطن، أو مجموعة من المواطنين، كل من يعتقدون أنهم قد يقفوا فى طريقهم للحصول على تلك المقومات. طبيعى! و الحقيقة هى أن هؤلاء قد يسعون دائبين على التخلى عن الحرية فى مقابل الحصول على المقومات الأساسية للحياة!!!

لا عجب من ذلك ... انك الآن تقرأ هذا المقال من خلال جهاز الحاسب الذى تستخدمه فى الدخول على شبكة المعلومات و تجلس فى مكان مريح تأمن فيه على نفسك و قد يكون بجوارك كوب من المشروب الساخن لتدفئ نفسك به أو لتوقظ عقلك من كسل النوم ... بل و قد تكون ممن يتصورون أن الحرية أغلى من الغذاء و الكساء و المأوى ... و الحقيقة هى أنى أشترك معك فى هذا ... مع ذلك فإنى أحاول أن أنظر للواقع من وجهة نظر كل من يسعى للوقوف فى طريق الحرية!

بالنسبة لى، الحرية هى الطريق الوحيد للأمن ... الحرية هى الطريق الوحيد للإستقرار السياسى ... الحرية هى الطريق الوحيد للرخاء الاقتصادى! و إذا كان لزاما أن اختار بين الحرية و بين الأمن و الاستقرار و الرخاء، سأختار الحرية!!!

لا تدع الحماس يأخذك بعد هذه الكلمات ... إن سعيى و سعيك للحرية على حساب الأمن و الاستقرار و الرخاء قد يحقق لنا، أنا و أنت، الإحساس بالسعادة، و لكنها سعادة على حساب الفقراء و الضعفاء و من لا حيلة لهم ... إننى لا أهتم بأصحاب المصلحة فى النظم الاستبدادية، بالمرة، لأنهم يختارون طريقهم كما تختار انت و أختار أنا، و لكن لا يمكن أن أغض البصر عن من لا يصبرون على نقص الغذاء و الكساء و المأوى!!! و إن غضضنا البصر عن ذلك نكون أسوأ ممن يفسدون لمصلحة شخصية قصيرة المدى، ذلك لأننا، أنا و أنت، ندرك، أما المفسدون فهم "لا يشعرون"

بما أنك قرأت كل ما سبق، فأنت، فى الغالب، تتساءل الآن عن الطريق إلى الحرية كما تتساءل عن معنى العنوان "حرية، عدالة، وعى"! دعنى إذا أبدأ بالعنوان. إن كنا متفقين على أن الحرية، لنا و للآخرين، هى الطريق للأمن و الرخاء و الاستقرار، فقد نتفق على أن الحرية وحدها لا تكفى ... العدل هو المقوم الرئيسى لحفظ الحرية! بدون عدل لا يمكن الإبقاء على الحرية ... و العدل هنا لا يعنى "العدالة فى التوزيع" بالمرة و إنما يعنى العدل فى الحصول على الحقوق و العدل فى الحفاظ عليها، باختصار، العدل فى القضاء!

"حريتك تنتهى عند حدود حرية الآخرين" و للحفاظ على حريتك و حرية الآخرين يلزم واحد من أمرين: إما أن تمتلك القوة الكافية للدفاع عن حريتك و حقوقك و إما أن يمتلك "المجتمع" نظام قضائى عادل و يملك، هو، القوة الكافية للحفاظ على حريتك و حقوقك. و قد لا تلزمنى الإشارة أن الحل الأول نحتاجه جميعا فى حالة عدم وجود دولة! أما مع وجود الدولة فيجب أن نتنازل عن امتلاك القوة، الشخصية، لصالح الدولة حتى يمكن تحقيق الأمن و الاستقرار للمجتمع. من هنا قد نتفق على أن طريق الحرية للوصول الى الأمن و الاستقرار و الرخاء يلزمه نظام قضائى عادل يسمح لكل أفراد المجتمع فى السعى لتحقيق أهداف الأمن و الاستقرار و الرخاء! و أعيد هنا أن العدل هو المقوم الرئيسى لحفظ الحرية!

حتى تحقق الحرية أهدافها من الأمن و الاستقرار و الرخاء بمساعدة العدل يجب أن يساندهما الوعى! الوعى يمكن تعريفه ببساطة أنه "المعرفة بأسباب الأمور و نتائج الأعمال"! الوعى لا يحتاج إلى سنوات من التعلم فى المدارس و الجامعات كما أن الوعى لا يستلزم قراءة المجلدات فى الاقتصاد و علم النفس و العلوم الاجتماعية! الوعى أبسط من ذلك بكثير ... الوعى يستلزم القدرة على الادراك أولا ثم اللجوء العاقل للمشاعر و المنطق! و قد تعمدت أن أذكر المشاعر قبل المنطق ... الإنسان فى الأصل مخلوق من مشاعر. عندما تتقابل مع ظروفك الخارجية تتفاعل معها بمشاعرك أولا ثم "تحاول" إعمال عقلك لتأخذ القرار فى كيفية "رد الفعل"!

الإنسان "المتحضر" أو "المتمدين" (Civilized)  هو الذى يتميز بالقدرة على إعمال "المنطق" فى توجيه "المشاعر" للتعامل مع "الظروف الخارجية" بأسلوب مقبول من المجتمع!

من هنا وجبت الإشارة إلى أن "العامة و الدهماء و الغوغاء" هم من يتميزون "بالإنفعال" طبقا للمشاعر بدون اللجوء "بكفاءة" للمنطق مما ينتج عنه أعمال "قد" لا تكون مقبوله من المجتمع أو "قد" تؤدى إلى إيذاء النفس أو الأفراد أو المجتمع!

نأتى هنا الى نقطتان مهمتان، لن يتسع المجال الى عرضهما الآن، و هما كيفية "زيادة" درجة الوعى فى المجتمع و العمل على تحقيق الحرية بأقل خسائر ممكنة!

باختصار، تعرضنا فيما سبق إلى أن الأمن و الاستقرار السياسى و الرخاء الاقتصادى هم الأهداف الرئيسية لأى حكومة فى أى دولة و أنه يمكن تحقيقهم بكثير من صور الحكم. كما تعرضنا إلى أن السبيل إلى تحقيق هذه الأهداف بشكل قابل للدوام لفترات طويلة لن يتم إلا بوجود حرية يدعمها عدل و كلاهما يعتمد على الوعى.

و سنتطرق لاحقا، إن شاء الله، الى كيفية السعى للحرية بأقل الخسائر ثم إلى كيفية زيادة الوعى فى المجتمع!

و الله أعلم

الحرية - التحليل البيئى

فيما سبق تحدثنا عن أهمية الحرية فى المجتمع للوصول إلى الأمن و الاستقرار السياسى و الرخاء الاقتصادى. كما عرضنا أكثر من تعريف للحرية يمكننا من خلالهم قياس مدى الحرية فى المجتمع. كما نذكر أن الهدف هو الوصول إلى استراتيجية تمكننا من الوصول إلى السعى فى طريق الحرية بأقل مقاومة من فئات المجتمع التى ترى أن الحرية ليست الطريق الأمثل أو التى ترى أن الثمن المدفوع فى هذا الطريق أكبر من الفوائد التى ستعود من السعى فيه.

فى هذا المقال سنتطرق إلى تحليل نقاط القوة و نقاط الضعف و الفرص المتاحة و المصاعب (المخاطر) الموجودة (أو ما يسمى بالتحليل البيئى - SWOT).

لتحليل الموقف المصرى، من وجهة نظر التخطيط الاستراتيجى، يجب أن نحاول النظر إلى الموقف بشكل محايد، بقدر الإمكان، حتى يمكننا أن نرى و نستغل كل المقومات الموجودة على الساحة السياسية المصرية. كذلك، فإنه من أهم مقومات النظرة الموضوعية هو إدراك حقيقة أننا، أنا و أنت، نميل إلى النظرة الغير موضوعية بحكم الخبرات و المعتقدات التى تشكل شخصياتنا! لذلك فإن الطريق للنظرة الموضوعية ليس سهلا بالمرة ... و لكن دعنا نحاول!

نقاط القوة

مرت مصر منذ ثورة يناير 2011 بتطورات اجتماعية و اقتصادية و سياسية على مستوى عالى من التأثير. بداية، فإن فكرة الثورة الشعبية التى تتحرك فيها قوى سياسية متعددة، بعضها علنا و البعض الآخر فى الخفاء، و تتحرك فيها فئات شعبية متباينة ثقافيا و اقتصاديا و عقائديا، كانت فكرة شبه مستحيلة و غير متناسقة مع طبيعة المجتمع المصرى الذى يميل بشدة للإستقرار و رفض، إن لم يكن كراهة، التغيير. مع ذلك، فقد اجتمعت تلك القوى من كل حدب و صوب على كلمة واحدة: إرحل! و بغير الدخول فى جدال حول الثورة بحد ذاتها، دعنا نلتفت إلى واحدة من نتائجها، تلك هى أن المصريين أصبحوا أكثر ميلا إلى التمرد على أى واقع يخالف ما يعتقدون أنه من مصالحهم الخاصة أو العامة. هذا الواقع يمكن ادراجه فى نقاط القوة و الضعف معا، أما من جانب القوة فإنه أصبح من السهل تحريك جموع من الناس للتظاهر أو الإضراب أو كتابة المقالات فى الصحف أو على شبكة المعلومات أو حتى رفع الشعارات على السيارات أو على شرفات المنازل.

لإستغلال ذلك الواقع فى توجيه المجتمع إلى طريق الحرية، يجب إستغلال اسلوب الكتابة و الدعوة "الناعمة" لإقناع أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع بفوائد السعى فى طريق الحرية و أن الأضرار، قصيرة المدى، لا تقارن بالفوائد التى سوف تعود، بالتأكيد، فى المستقبل القريب و على الأجيال القادمة. و حتى يصبح هذا الأسلوب فعالا، يجب حشد أعداد كبيرة من المؤمنين بفكرة الحرية للكتابة، بشكل مستمر، و للظهور فى وسائل الإعلام المختلفة على مدى واسع من هذه الوسائل و اللجوء لأساليب خلاقة فى عرض الأفكار من خلال إنتاج محتويات ترفيهية (أفلام و مسلسلات إلخ) و التوسع فى نشر الأغانى و مقاطع الفيديو على شبكة المعلومات مع استغلال مواقع التواصل الاجتماعى لنشر الأفكار و المبادئ التى تدعوا إلى ضرورة سلوك طريق الحرية. كذلك فإن التفاعل مع المجتمع من خلال مواقف الحياة اليومية يجب أن يكون أهم الوسائل التى يستخدمها ألمؤمنون بمبادئ الحرية لنشر أفكارهم و دعوة المحيطين بهم لتبنيها و ذلك فى محيط العائلة و العمل و المحافل الاجتماعية و العلمية و الدينية و السياسية.

كما أنه يمكن استخدام الأسلوب السلبى (التظاهر و الإضراب) للضغط على الحكومة و أصحاب النفوذ لإتاحة قدر أكبر من الحريات، و لكن يجب أن نلجأ لهذا الأسلوب فى أضيق الحدود! ذلك أن الأسلوب السلبى ينتج عنه أمرين غاية فى الخطورة: أولا، تتيح المظاهرات و الإضرابات فرصة كبيرة، لمن يقاومون التغيير، لتشويه صورة الداعيين للحرية أو إلصاق التهم بهم، من إضرار بالمصالح العامة و تعطيل العمل و التعدى على الممتلكات. ثانيا، تفقد المظاهرات و الإضرابات تأثيرها على المجتمع مع الوقت حتى تصبح من طبيعة الحال، كما صار الوضع فى مصر على مدى الشهور الماضية منذ ثورة يناير.

من نقاط القوة التى يجب الإشارة إليها كذلك، هى أن حالة الأستقطاب الشديد الموجودة فى المجتمع خلقت حالة عامة من الغضب على كل القوى السياسية المؤثرة. هذه الحالة تصبح من نقاط الضعف إن بنيت الاستراتيجية المنشودة على أساس الطعن فى الفئات الأخرى! و لكنها بالتأكيد نقطة قوة كبيرة لأصحاب فكرة طريق الحرية. أصحاب فكرة طريق الحرية بشكل عام لا يميلون للاستقطاب و رفض الآخر بل هم من المرحبين بالاختلاف لأنه مؤشر رئيسى من مؤشرات مدى الحرية المتاحة فى المجتمع. من هنا أصبح لزاما أن تبنى خطة الدعوة لطريق الحرية على عدم الطعن فى أى من الأطراف المشاركة فى العملية السياسية بل قد يجب الإشارة إلى التأثير الإيجابى، إن وجد، من هذه الأطراف. كذلك، يجب العمل على أوتار "الامتعاض" السائد من حالة الاستقطاب السائدة و التأكيد مرارا و تكرارا على الهدف ليس رفض الأطراف السياسية و لكن الهدف هو تحقيق "التوافق" و "حالة من التعايش" بين الفئات المجتمعية.

نقاط الضعف

ذكرنا، مع نقاط القوة، أن المجتمع أصبحت فيه نزعة للتمرد على ما يتعارض مع مصالحة الظاهرة، و قلنا أن ذلك قد يحسب من نقاط الضعف كذلك! عندما تسود نزعة التمرد على الواقع الذى يتعارض مع المصالح الظاهرة للأفراد أو المجموعات، يصبح السعى للتغيير فى أغلب المجالات غير مستقرا، ذلك أن التغيير، فى أغلب صوره، يفيد البعض و يضر بالبعض. لذلك فإنه من الطبيعى أن تتحرك الفئات المتضررة لمنع التغيير حفاظا على مكتسباتها و مصالحها. و مع زيادة الحريات الإجتماعية و السياسية يصبح من السهل على تلك الفئات التجمع و الحشد ضد التغيير بنفس الأساليب التى يستخدمها أصحاب الدعوة للتغيير! من هنا وجبت مراعاة التدرج فى الخطوات التى تضر بمصالح تلك الفئات كما يجب العرض المستمر و المتكرر للمنافع المستقبلية المتوقعة من تلك الخطوات حتى يمكن تحييد أكبر قدر ممكن من تلك الفئات.

هنا وجبت الإشارة كذلك إلى أن المجتمعات، بشكل عام، تميل للإلتفاف حول الأفراد و ليس الأفكار، البرادعى و حازم ابواسماعيل و السيسى و من قبلهم سعد زغلول و جمال عبد الناصر و غيرهم كثيرون. و ما ذلك إلا انعكاس للنزعة الطبيعية للبشر فى التفكير فى الصور الواضحة أكثر من المعانى المجردة! للتغلب على هذه النقطة يصبح لزاما على أصحاب الدعوة للسير فى طريق الحرية أن يعملوا على محورين أساسيين، الأول، استقطاب أكبر قدر ممكن من الشخصيات العامة للدعوة لأفكارهم، الرياضيين و الممثلين و الكتاب من أصحاب الفكر المتحرر و المغنيين و غيرهم. أما المحور الثانى فيعتمد على صناعة النجوم! من بين الداعين للحرية، يوجد من يملكون القدرة الشخصية على اجتذاب المستمعين و المشاهدين (الكاريزما)، و لكنهم ليسو من الشخصيات العامة (النجوم)، لذلك يصبح لزاما على المنظمات الداعية للحرية أن تصنع منهم شخصياتا عامة عن طريق دفعهم إلى المناقشات العامة فى وسائل الإعلام و فى المحافل الاجتماعية و السياسية و نشر مقاطع الفيديو التى تشير إليهم باعتبارهم شخصيات عامة، و إن كانو من أصحاب الفنون كالغناء و الشعر وجب نشر ما ينتجونه من أعمال من خلال شبكة كبيرة من وسائل العرض و الاعلام.

الفرص المتاحة

من أهم الفرص المتاحة لدعاة الحرية وجود الآلة الإعلامية المهولة متمثلة، أساسا، فى التليفزيون و الصحف! قد يظن الكثيرون فى هذه المرحلة أن تلك الأجهزة تناصر نظاما استبداديا، نظام عسكرى يحاول الرجوع بمصر إلى ما قبل ثورة يناير، و لكن دعنا نبتعد عن الانفعال للحظات و ننظر للوضع من زاوية مختلفة.

لو حاولنا تحليل المنظومة الإعلامية إلى عناصرها الأساسية نجد أنه من وجهة نظر الملكية، يوجد ما هو مملوك للدولة و ما هو مملوك لمؤسسات أو أفراد بعينهم. و فى كلتا الحالتين، يجب أن نتوقع أن تعرض المؤسسة الإعلامية وجهات النظر و الأخبار التى لا تتعارض مع مصالح المالكين سواء المصالح السياسية كما هو الحال أساسا فى الملكية الحكومية أو المصالح الإقتصادية و السياسية أيضا كما هو الحال فى الملكية الخاصة.

كذلك فإن المادة السياسية التى تقدم من خلال هذه الأجهزة، تليفزيون و صحف، تنقسم كذلك إلى قسمين أساسيين، الأول هو ما يقدمه العاملون فى المؤسسة، و ذلك ما يعكس إتجاه المؤسسة بشكل عام كنشرة الأخبار أو البرامج التى يقدمها مذيعون قليلى "الصيط" أو الموضوعات التى تتم صياغتها من خلال الإدارات الصحفية كالتحقيقات الصحفية. أما القسم الثانى فهو ما يعتمد على الكاتب أو المذيع بغض النظر عن المؤسسة، كفهمى هويدى و معتز عبد الفتاح و محمود سعد و ابراهيم عيسى و غيرهم.

كيف إذا يمكننا أن نعتبر هذا الواقع فرصة؟ فى البداية، دعنى أؤكد أن محاولة إنشاء مؤسسة لنشر أفكار الحرية ليست بالفكرة المثلى، و ذلك لأسباب مختلفة، أولا، التكلفة الباهظة لإنشاء المؤسسة و إنتاج المادة الثقافية و الترفيهية التى يسعى إليها المواطن، ثانيا، الوقت المطلوب، بطبيعة الحال، حتى تبنى المؤسسة القاعدة المطلوبة من المشاهدين و القراء، ثالثا، الدخول فى سوق به درجة عالية جدا من التنافس يجعل من الصعب الوصول بسهولة إلى الأهداف المنشودة من المؤسسة الإعلامية. الفرصة إذا تأتى فى استغلال القاعدة الموجودة بالفعل من المؤسسات الإعلامية و الإعلاميين أصحاب التأثير (النفوذ).

أولا، على مستوى المؤسسات الإعلامية، نحتاج إلى العمل على محورين، الأول هو شراء أو المشاركة فى المؤسسات الإعلامية الأكثر نفوذا و ذلك لإستغلال القاعدة الإجتماعية الموجودة فعلا لهذه المؤسسة. عند إتباع هذا الأسلوب يجب مراعاة نقطة غاية فى الأهمية، ذلك أن القاعدة الإجتماعية التى تعطى تلك المؤسسة قوتها تنجذب إلى تلك المؤسسة، الصحيفة أو قناة التليفزيون، لأنها تقدم مادة إخبارية و ترفيهية تتناسب مع رغباتهم. و لذلك فإنه لا يجب التأثير بشكل كبير و واضح فى تلك المادة حتى لا تهرب القاعدة الإجتماعية إلى مؤسسة أخرى أو منتج آخر، بل يجب مراعاة أن يبقى الحال على ما هو عليه "إلا قليلا".

أما المحور الثانى للتأثير على المؤسسات الإعلامية فيأتى من خلال التأثير على موارد الدخل لتلك المؤسسات. مصدر الدخل الرئيسى لمؤسسات الإعلام يأتى من الدعاية و الإعلانات! و دعنا هنا نشير إلى أن هناك الكثير من تلك المؤسسات التى تعتمد على ممول رئيسى واحد الذى قد يكون فرد أو مؤسسة. و لذلك وجبت دراسة تلك المؤسسات لتقدير إمكانية التأثير فيها عن طريق الإعلانات.
ثانيا، على مستوى الأفراد أصحاب التأثير، فقد أشرنا فى نقاط الضعف أن المجتمعات بشكل عام تحب الإلتفاف حول الأفراد و ليس الأفكار! يظهر ذلك بوضوح على مستوى المؤسسات الإعلامية فى المبالغ الطائلة التى يدفعها أصحاب تلك المؤسسات لكى يعمل "أحد أصحاب الأسماء الكبيرة" من خلالها. هنا وجبت الإشارة بوضوح أن "شراء" تلك الاسماء بالمال لا يمكن أن يكون جزءا من الخطة للتأثير فى المجتمع ذلك أن الشراء بالمال لا يتعدى أن يكون كشراء الخمور و المخدرات، يأتى بلذة سريعة و خيبة أمل تبقى إلى الأبد!
كذلك، فإنه يجب أن نلاحظ أن السمة العامة فى هؤلاء الإعلاميين و الصحفيين هى الدعوة للحرية بشكل عام. للتوضيح، فإنه قبل الثورة كان أغلبهم من المعارضين للحكم الاستبدادى كما أن معارضة الكثير منهم لحكم د/ محمد مرسى كان تحت دعوى أنه سيؤدى إلى حكم استبدادى! من هنا نرى أنه من السهل بشكل عام إستمالة أغلبهم للدعوة إلى الأفكار الساعية إلى طريق الحرية و بالتالى إستخدام تأثيرهم على المجتمع فى عرض فوائد العمل على هذا الطريق و التقليل من تأثير الأضرار المؤقته التى تقع على بعض فئات المجتمع.

من الفرص المتاحة لدعاة السعى فى طريق الحرية هو وجود الحالة المتردية للإقتصاد! تلك الفرصة ذات وجهين، الأول هو أن الإدعاء بفشل الحكومة فى رفع المستوى الاقتصادى دليل على عدم قدرتها على الأداء بشكل مناسب، كما حدث من معارضى د/محمد مرسى. أما الثانى فهو ببساطة أن العمل فى هذا الوضع المتردى سيسهل التغيير الإيجابى (لا يمكن أن تنزل تحت القاع). كل ذلك، ببساطة، يعتمد على انخفاض مستوى الوعى بالحقائق و المؤشرات الاقتصادية كما سنعرض فى الحديث عن المصاعب.

المصاعب الموجودة

من المصاعب التى يجب أن تواجه بشكل فعال هى مشكلة "عدم الوعى"! ذلك أن أغلب أفراد المجتمع لا يمتلكون الوسائل الكافية لإدراك أسباب المشاكل التى يواجهونها أو لإدراك نتائج ما تقوم به الحكومات على المدى القصير أو البعيد. من الأمثلة التى تمكننا من توضيح هذه النقطة، ما ثار من لغط حول "سد النهضة" و كيفية تعامل الحكومة المصرية معه؛ مما لا يمكن التغاضى عنه أن أحد أسباب المشكلة كان إنقطاع مصر سياسيا و اقتصاديا عن الدول الافريقية التى تشترك معها فى حوض النيل مما نزع من مصر كل وسائل التأثير على القرار السياسى فى تلك الدول. كما أن الأحاديث التى دارت حول الحل العسكرى و الحلول التخريبية عكس قدر الجهل بمجريات الأمور الدولية الذى يعانى منه المجتمع المصرى.

من الأمثلة الأخرى، التى تعكس مقدار إنخفاض مستوى الوعى فى المجتمع، موضوع المرتبات و الأسعار! استطاعت بعض القوى السياسية اللعب بمشاعر محدودى الدخل و حشدهم للمطالبة برفع الأجور و تحديد حد أدنى لها لتصبح عادلة، كما يدعون. لم تلتفت تلك الجموع، و لن أقول القوى السياسية، إلى أن زيادة الدخول التى لا تصاحب زيادة فى الإنتاج تستتبع، بالضرورة، زيادة فى الأسعار (التضخم) أو إنخفاض قيمة العملة! و ذلك بغض النظر عن ما سيستتبعه ذلك أيضا من ارتفاع معدلات البطالة!!! و عندما بدأت الفئات المتضررة من التضخم فى الشكوى من "إرتفاع الأسعار" ذهبت نفس القوى السياسية للضغط على الحكومة لتفرض حد أقصى لأسعار بيع السلع (التسعيرة الإجبارية أو الإسترشادية) و ذلك أيضا بدون الوعى بنتيجة ذلك من نقص حتمى فى الكميات المعروضة من تلك السلع على المدى المتوسط و البعيد!

تكمن الخطورة، فى عدم الوعى، فى سهولة تلاعب القوى السياسية المختلفة بمشاعر حب تلبية الإحتياجات الأساسية (الرغبة) بأسرع وقت ممكن و حب تجنب المصاعب (الرهبة) لأبعد مدى ممكن. و يكون هذا التلاعب لتحقيق تعاطف "سياسى" من جموع الشعب لتمكين تلك القوى من الوصول لأهدافها السياسية. هنا وجبت الإشارة إلى أن أهل العلوم السياسية مؤمنون تماما أن تحريك جموع الشعب، أى شعب، يجب أن يكون عن طريق اللعب على أوتار الرغبة و الرهبة! ذلك أن الشعوب، بشكل عام، تفتقر إلى التفكير بشكل منطقى!!!

للتغلب على مشكلة إنخفاض الوعى يمكن العمل على كثير من المحاور. من أهم هذه المحاور هو الإهتمام بعرض الثوابت العلمية المتعارف عليها فى علوم الاقتصاد خصوصا، و العلوم الاجتماعية بشكل عام، باستخدام الوسائل التى أشرنا إليها سابقا. كما أنه من الضرورى استخدام منابر المساجد و الكنائس و المدارس و الجامعات لتوصيل تلك المبادئ لأكبر قدر ممكن من فئات المجتمع. و أكرر هنا، أن التوعية يجب أن تكون من خلال عرض الثوابت أو من خلال عرض وجهات النظر المختلفة، ذلك أن عرض "وجهة نظر واحدة" لا يمكن تسميته بالتوعية و إنما يجب أن يسمى "غسيل مخ"!

كما لا يسعنى هنا أن أغفل أن ما تقرأه أنت الآن ما هو إلا "وجهة نظر" شخصية تحتمل الخطأ كما تحتمل الصواب.
لذلك فإن من الوسائل التى يجب إتباعها على المدى القصير هو أسلوب الترغيب و الترهيب، للأسف! الحقيقة المؤسفة هى أنه مهما ارتفع مستوى الوعى السياسى فى أى مجتمع، ستظل كل المجتمعات تفكر بلغة الرغبة و الرهبة، و إذا كان هناك أى فصيل سياسى أو فلسفة سياسية أو مرشحين سياسيين يريدون الوصول للمناصب السياسية التى تمكنهم من من تنفيذ برامجهم (سواء للإصلاح أو للإفساد) فإنهم جميعا يجب أن يتكلموا بلغة الشعوب، و تبقى لغة العقل و المنطق هى اللغة التى تستخدم مع "خواص" الناس لإقناعهم بمدى فائدة أو ضرر هذه السياسة أو تلك!

من المصاعب التى سيواجهها دعاة السعى فى طريق الحرية هى وجود أصحاب النفوذ المادى و الاجتماعى ممن يريدون بقاء الوضع على ما هو عليه. و قبل الدخول فى الحديث عن هذه المشكلة يجب أن أذكر أن أصحاب النفوذ ليسو بالضرورة راغبون فى الإفساد و لكنهم أصحاب وجهة نظر تخالف الوجهة التى نحاول عرضها كما أنهم فى الغالب متضررون من السير فى طريق الحرية. من الطبيعى، كما عرضنا من قبل، أن تدافع عن ما تراه مصلحة لك و أن تحارب أو تقاوم ما ترى أن فيه ضرر لمصالحك أو مصالح أبنائك.

من الميول الطبيعية للإنسان السعى للمال أو النفوذ أو الشهرة أو التقدير من الآخرين. أغلب الناس يميل إلى واحدة من تلك الميول أكثر من الآخرين كما أن البعض قد يميل إلى أكثر من واحدة! من هنا وجب التواصل "القوى" على المستوى المحلى مع كل أصحاب النفوذ من أصحاب مؤسسات و شركات إلى شيوخ القبائل و عمد القرى و أعضاء المجالس النيابية السابقين. و يكون هذا التواصل ذو هدفين رئيسيين. الأول هو التعرف على ميولهم إلى الأفكار التحررية و الثانى للتعرف على رغباتهم فى المال أو النفوذ أو الشهرة أو التقدير من الآخرين. و بالتالى السعى لاستقطاب المحبين للتحرر و التجديد و السعى لتحييد المعارضين كما يتم إستخدام ميولهم الشخصية بإقناعهم بالفوائد التى ستعود عليهم.

من هنا تظهر أهمية العمل على المستوى المحلى! يجب أن توجد فروع محلية للحزب أو المؤسسة التى تسعى إلى اجتذاب المجتمع إلى طريق الحرية على كل المستويات. يكون الدور الرئيسى لتلك الفروع هو ضم الأفراد، خصوصا من الشباب، إلى صفوف الحزب و تقديم الدعم المعنوى من حيث التشجيع و تقديم النصح فى العمل السياسى و تشجيع التقارب الاجتماعى بين أفراد هذه الفروع و ذلك لضمان إستمرارية التحفيز. و يجب التأكيد على خطورة استخدام أنواع الدعم المادى أو توفير فرص العمل، مثلا، بين هؤلاء الأفراد، ذلك أن هذا النوع من المحفزات يزول تأثيره بسرعة كما أنه يؤدى إلى الدخول فى منافسة مع المؤسسات السياسية الأخرى و الذى سيؤدى بالضرورة إلى تقديم تنازلات للحصول على الموارد المطلوبة لاجتذاب هؤلاء الافراد! و تكون المهمتان الرئيسيتان لهذه الفروع المحلية هما توسيع القاعدة البشرية للحزب أو المؤسسة كما أنها تعمل على التعرف على أصحاب النفوذ و تحديد المؤثرات الممكنة و الفعالة على كل منهم.

يدعونا ما سبق إلى الانتباه إلى إحدى المصاعب المفروضة فى المجتمع المصرى، تلك أن حقيقة المجتمع تفتقر، فى حالات كثيرة، إلى التجانس الثقافى و الفكرى و الاجتماعى و المادى. تفرض هذه الحالة درجة عالية من الصعوبة فى صياغة الأهداف و عرضها فى المحافل المختلفة. للتغلب على هذه الصعوبة يجب أن توضع الأهداف بشكل واضح مع كونها محددة و قليلة العدد كما تجب الصياغة بشكل "محلى" لتسهيل الاستيعاب.

للتلخيص، عرضنا فى هذا المقال تحليل بيئى لنقاط القوة و الضعف و الفرص و المصاعب المتاحة لمن يريدون دعوة المجتمع إلى طريق الحرية. ظهر من تلك النقاط أن حالة التمرد الموجودة فى المجتمع هى من نقاط القوة و الضعف معا كما عرضنا أن حالة الاستقطاب الشديد التى يعيشها المجتمع تضيف إلى نقاط القوة الكامنة فى الدعوة للحرية كما أشرنا إلى نقطة الضعف الكامنة فى المجتمع و التى تدور حول الرغبة فى الالتفاف حول الأفراد و ليس الأفكار. ثم حولنا انظارنا إلى الفرص المتاحة للدعوة للحرية و من أهمها وجود البنية الأساسية المهولة فى المؤسسات الإعلامية و كذلك وصول الاقتصاد إلى حالة متردية بعد تلك الفترة من الاصطرابات السياسية الداخلية. و أخيرا التفتنا إلى المصاعب الموجودة و على رأسها إنخفاض مستوى الوعى فى المجتمع و وجود أصحاب نفوذ مادى و سياسى منتشرون فى أماكن مختلف و حقيقة انقسام المجتمع داخليا إلى ثقافات متعددة.

فى ما يلى سوف نتعرض لصياغة للأهداف العامة التى ننصح بأن توضع أمام الداعين للحرية، كما سنقترح إطار عام للخطة التنفيذية لتحقيق هذه الأهداف.

و الله أعلم

Wednesday, 20 February 2013

الذى خلق الموت والحياة

سبحان الله ...

تتواتر اخبار الموت من شابة فى العشرينيات تموت فى حادث سيارة الى شيخ فى السبعين يموت بالشيخوخة الى رجل فى الخمسين تفاجئه ازمة قلبية و آخر فى الستين يصاب بجلطة فى المخ و جدة فى الثمانين تموت من مضاعفات مرض السكر ...

و يسرح بى الفكر فأتذكر صديقى الذى مات بازمة قلبية فى سن الخامسة و العشرين بدون اى مقدمات و هو يكمل دراساته العليا فى الخارج و من قبله ابى الذى مرض فجأة و مات فى اجازة "المصيف" ... و غيرهم كثيرون!

قال الله تعالى: و لنبلونكم بشئ من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات، و بشر الصابرين، الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا اليه راجعون (سورة البقرة)

و قال ايضا: الذى خلق الموت و الحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا (سورة الملك)

و نسب للنبى صلى الله عليه و سلم قوله ما معناه: من لم يكن له الموت واعظا فلا واعظ له!

فكر معى للحظات، ما هى المواعظ التى نأخذها من الموت؟
هل موعظة موت الكبير تختلف عن موعظة موت الصغير؟
هل ذكر الموت، مع ما فيه من ألم، مفيد؟
هل تكون الموعظة للدنيا ام للآخرة ام كلاهما؟

كم مرة سألت نفسك: ماذا سأقول لله عن عملى هذا عندما اقف بين يديه؟

ثم لنفكر معا فى حياتنا ... ان كنا نعمل للآخرة كأننا نموت غدا، ماذا عملنا للدنيا؟

الدنيا هى الممر للآخرة، فإن لم تحيا فيها سعيدا بعملك، قد لا تقوى على الاستمرار فيه!

كلما ذكرنا الموت تذكرنا الآخرة، لكننا ننسا الدنيا التى نعمل فيها للآخرة ... هل انت سعيد فى عملك؟ هل انت سعيد فى بيتك؟ هل انت سعيد مع عائلتك؟ هل انت سعيد بما تتعلمه؟ هل انت سعيد فى حياتك؟

قد تموت غدا ... بل قد تموت قبل ان تكمل قراءة هذا المقال ... هل ستموت سعيدا بما احرزت فى الدنيا من عمل الدنيا و الآخرة؟

يظن البعض ان الزهد فى الحياة الدنيا من علامات قوة الإيمان و لذلك يتركون الدنيا "لأهل الدنيا" ... و الحقيقة ان الزهد فى الدنيا هو ان تتمكن من جوانبها و تجعلها فى يدك بدون ان تتعلق بها و تجعلها فى قلبك!

كيف ستتصدق بالمال ان لم تملك المال؟
كيف ستساعد المرضى ان لم تكن معافا؟
كيف ستمحوا الجهل ان لم تكن عالما؟
كيف ستعمر الأرض و انت لا هم لك فى الدنيا؟

الزهد فى الدنيا يأتى من النوايا فى العمل ... اجمع المال لتحمى نفسك من الزلل و لتتصدق على الفقراء ... تعلم الطب لتحمى نفسك من المرض و تخفف آلام المرضى ... تعلم العلم لإعمار الأرض و تعليم طلاب العلم ... اجمع من متاع الدنيا كل ما تستطيع لتحيا سعيدا و ترضى ربك فتلقاه سعيدا ...

و الله اعلم!